هل من الممكن أن تثق بشخصٍ، لأول مرة تقابله؟.. في تجربة تم عرضها في برنامج ألعاب العقل، للإجابة عن هذا السؤال، اختاروا أشخاصًا عشوائيًّا تختلف أعمارُهم، وأعراقهم وأشكالهم، ووضعوا كل شخصين في غرفة وأمامهم مبلغ مادي وبطاقتان: البطاقة الأولى: (نقتسم) البطاقة الثانية: (أسرق) الأولى وهي (نقتسم)، لو وضعها الاثنان معًا -علما أن الطرفين لن يعرف بعضهما إجابة بعض إلا بعد انتهاء اللعبة- فسيفوزان بالمبلغ ويتم اقتسامه فيما بينهما ويخرُج كلا الطرفين رابحا من اللعبة. أما لو وضع اللاعبان البطاقة الثانية (أسرق) فسيخسران المبلغ كاملا. وفي حال وثق أحد الأطراف بالآخر ووضع (نقتسم)، فأما الطرف الثاني إذا لم يكن جديرا بالثقة ووضع (أسرق) فسيفوز الطرف الثاني ويخرج من وضع بطاقة (نقتسم) خاسرا من اللعبة. لو كُنتَ أحد اللاعبين، فماذا ستختار؟ وأنت تجلس أمام شخص، حرفيًّا لا تعرفه؛ التقيتَ به للتو! 90٪ من اللاعبين اختاروا (نقتسم)، وهذه نسبة كبيرة؛ أي إن الثقة بالآخرين هي فطرة متأصلة بالنفس البشرية، وكل شخص طبيعي يثق طالما لم يجد سببًا يُثير الشك في نفسه ويجعله عكس ذلك. كبرى مشاكلنا في علاقاتنا اليوم؛ هي عدم الثقة أو تزعزع الثقه فيما بينهم. عندما تبدأ شيئًا جديدًا مع شخص جديد كأنك تمسك فرشاة ألوان وتبدأ بالرسم على لوحة بيضاء، يظن بك من هو أمامك ظنًّا حسنًا؛ لأنه لم ير منك شيئًا عكس ذلك، إلى أن تخون تلك الثقة، سواء بالكذب عليه أو خيانته أو التخلي عنه وهو في أمسّ الحاجة إليك، أو أي عمل يقوم بتدنيس قدسية الثقة. فمفهوم الثقه كبير، وأبسط الأشياء من الممكن أن تخدشها، وأحيانا تهشمها، فلا يعود للحب قيمة من بعدها، هُنا تبدأ اللوحة تبهُت وينكسر شيء بداخل ذلك الشخص فيصبح من الصعب جدا أن يعود هو من جديد، ولا أن تعود أنت كما كُنت في عينه وقلبه، البعض يُسامح رغم مرارة الخذلان؛ لأن الحب الذي بداخله لك أكبر من كل شيء. والبعض يُسامح مجبَرًا؛ لأن الرحيل صعب، خصوصا إذا كان رحيله سيدمر عائلة أو سيشتت أطفالا أو يقضي على مستقبل، والبعض الآخر يسامح؛ لأنه يرغب في وجودك بحياته رغم أنف كل شيء، ولو سألته: لماذا عُدتَ؟ فسيجيبك بأنه عاد باختياره؛ لأن الحياة ليست حياة من دونك! رغم الخيانة، رغم الألم، رغم انكسار أعظم شيء بينكما، عاد ليرمم ما تبقى منها، عاد على أمل ألا تخذله من جديد؛ لأنه وبكل بساطة يحبك ويرى بداخلك الجمال رغم ما فعلت. احرص دائما على أن تكون بحجم وعودك، لا تكن أصغر من أن تنكرها يوما، لا تخذل من وثق بك وأودعك قلبه أمانة ستُسأل عنها أمام الله يوما. لا تشوِّهْ تلك الفطرة التي فطرنا الله عليها فيصبح مَن بعدك لا يثق حتى بظله، كن أرقى من أن تخذل من أعطاك فرصة ثانية. ولا تحكم على الشخص من تجاربه السابقة، فمعك هو شخص جديد، من حقه أن يبدأ معك بدايةً جديدة من غير حكم مسبق عليه. ولا تلم من عاد بنصف رغبة، فبجانبك يقف ولكنه خائف منك؛ كالطفل لو أغرقه الماء مرة فسيظن أن كل ماء غَرَق مع أن الماء أحيانا نجاة. مثلما منحك فرصة، امنحْه وقتًا أيضا ليثق بك من جديد ليعود هو من جديد. «لم أندم في حياتي مثلما ندمت على الثقة التي وضعتها في أناس لم يستحقوها» الحسن الثاني