في وقت شدد فيه مجلس الوزراء السعودي، في اجتماعه برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، على استمرار وقف المساعدات السعودية للجيش اللبناني – حاول سعد الحريري حفظ ما تبقى من حمرة خجل الدولة اللبنانية، المختطفة من قبل حزب الله الموالي لإيران. وفي خطوة منه لرأب الصدع في العلاقات السعودية – اللبنانية، سعى الحريري لأن يقول شيئا لناكري الجميل في حكومة دولته، ولكل الذين نسوا في لحظةٍ المواقف المشرفة للمملكة تجاه الشعب اللبناني الشقيق. ورغم أن الوثيقة التي وقعها الحريري و«تيار المستقبل» (14 آذار) غير رسمية، فإنها تحدد موقفا معينا، وتكشف عن أن هناك أغلبية لبنانية ترفض أي إهانة للسعودية، كما ترفض خروج لبنان عن الإجماع العربي، وإجهاض كل المحاولات الرامية لإقامة جمهورية إسلامية خمينية ملالية في الشام عبر بوابة لبنان، وميليشيات حزب الله. ولكن، يتساءل كثيرون: هل يستمر هذا الوقف طويلا حتى تصوّب الدولة اللبنانية موقفها؟ أم سيعود الدعم مرة أخرى قريبا بعد ظهور فريق داخل الحكومة اللبنانية، ومن بينهم وزير العدل «أشرف ريفي» الذي قدم استقالته وطالب بسرعة الاعتذار للسعودية والسعوديين عما اتخذه وزير الخارجية جبران باسيل من موقف سلبي ومخزٍ في اجتماع وزراء الخارجية العرب بجامعة الدول العربية وفي اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي، وخروجه عن الإجماع العربي بعدم إدانته اقتحام الإيرانيين للقنصلية السعودية في طهران. في الإجابة عن هذا السؤال، هناك فريق يرى أن هذا الدعم، وتلك المساعدات يجب منعها تماما عن الدول التي تثبت حكومتها عدم تحملها المسؤولية تجاه أخطر القضايا العربية وميلها إلى بعض الأنظمة التي ترعى الإرهاب وتزرع روح الطائفية والمذهبية، وفريق آخر يرى ترشيدها أو منحها بحذر وتريث. وفي ضوء ما يحقق مصالح المملكة محليا وإقليميا ودوليا، وهناك فريق ثالث يرى أن المملكة، باعتبارها الأم الرؤوم التي تحتض وترعى وتحمي؛ بل وتدلل في أحيان كثيرة كل من هو عربي من المحيط إلى الخليج، لن تتحمل مشهد انهيار الجيش اللبناني، وتأثر الشعب اللبناني اقتصاديا، ولذا فهم يتوقعون عودة المساعدات تدريجيا، وخاصة بعد أن أبدت حكومة بيروت الندم، وراجعت بعض التيارات السياسية المؤيدة لحزب الله موقفها. ويستند أنصار هذا الفريق إلى تأكيد مجلس الوزراء السعودي أنه لن يتخلى أبدا عن الشعب اللبناني، مهما صدر من مواقف مؤسفة لحكومته وتصريحات من بعض وزرائه، لإدراك المملكة أن مثل هذه المواقف المخزية تجاه القضايا العربية السعودية لا تمثل الشعب اللبناني الشقيق. عموما، المشهد برمته، وفي ضوء السياسة الحازمة للدبلوماسية السعودية، وإصرار القيادة السعودية على ردع حزب الله وكل المنظمات والميليشيات الإرهابية الموالية لنظام الملالي في طهران، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن العقاب هذه المرة ستطول مدته، ولن يتم رفعه على الأقل في الفترة المقبلة حتى تتخذ الحكومة اللبنانية موقفا حاسما تجاه هذا الحزب الذي يصادر الإرادة اللبنانية. إن المملكة تنتظر من بيروت إجماعا على مواجهة هيمنة حزب الله، الذي تحول إلى دويلة داخل دولة، كما أكد أشرف ريفي وزير العدل وهو يحذر كل اللبنانيين من ممارسات حزب الشيطان وحلفائه، فلم يعد منطقيا ولا مقبولا أن تعطي المملكة باليمنى كل الخير وتحصد باليسرى كل الشر ونكران الجميل، من قِبل حكومة تحولت إلى أداة كاملة، باعتراف ريفي نفسه، إلى أداة كاملة بيد حزب الله. إن المملكة، بكل ما قدمت من مليارات لإعادة إعمار لبنان في مؤتمر الطائف 1989، ومن مساعدات ومواقف مشرفة لجيشه وقواته الأمنية وشعبه على مدار السنوات الماضية، تنتظر في المقابل مواقف عملية لا جولة خليجية يقوم بها رئيس حكومته، فقط تريد ألا يكون لبنان مرتعا لفلتان السلاح ولا دولة منزوعة العروبة والإرادة، على يد شرذمة تريد دمار ذلك البلد العربي وتفتيته لصالح إيران والأطماع الفارسية في المنطقة. باختصار، المملكة العربية السعودية لم يعد يكفيها أي اعتذارات أو زيارات وزارية لبنانية لتصحيح الموقف، فسياستها الجادة والحازمة الآن تتطلب أفعالا لا اعتذارات، لأن ما قدمته للبنان، سياسيا وعسكريا واقتصاديا، عبر التاريخ يفوق أي اعتذار أو كلمات منمقة من هنا أو هناك. وبصراحة شديدة، لقد طفح الكيل، ولم تعد هناك أدنى مساحة من التحمّل لما يمارسه حزب الله من ممارسات بحق الأمتين العربية والإسلامية برعاية الدولة اللبنانية.