رغم مرور أكثر من 40 عامًا على محاولات "السعودة" التي انطلقت عام 1975م، وبدأت خطواتها الجادة عام 1996م، فإن تفعيل قرارات السعودة الحقيقية، في الكثير من المجالات مازال مجرد حبر على ورق، وهو ما يحبط المئات من الشباب السعوديين الباحثين عن العمل. ومع أن وزارة العمل بأجهزتها المختلفة، قطعت شوطاً لا بأس به، إلا أن قطار السعودة لا يزال يسير بخطى السلحفاة، ومن حين لآخر تشهد بعض مؤسسات القطاع الخاص نماذج صارخة، تحمل في مشاكلها تحديًا واضحًا لكل قرارات (السعودة)، ولكل طموحات شبابنا. وأقرب هذه النماذج ما حدث مؤخرًا من مدير فندق شهير بمكة المكرمة، أقدم على فصل عدد كبير من الموظفين السعوديين، دون سابق إنذار، ضاربًا عرض الحائط بتعليمات وتوجيهات ولاة الأمر بإحلال السعوديين محل العمالة الوافدة في القطاع الخاص. وما حدث من هذا المدير لم يكن الحالة الأولى ولن يكون الأخيرة، ما دام يفتقد بعض المسئولين بقطاعنا الخاص الإحساس بقضايا الشباب السعودي وأزمته مع الوظيفة، التي غالبا ما يحرم منها خلف ستار عدم توفر سنوات الخبرة، وعدم إجادة اللغة الأجنبية، وعدم توفر المهارات الشخصية، وعدم الالتزام، وغيرها من الأعذار التي يتخذها عدد كبير من شركات القطاع الخاص حجة للهروب أو القفز من قطار السعودة، الذي يسير محطة ويتوقف عدة محطات، لغياب المسئولية الوطنية والاجتماعية عن بعض المسئولين بشركات ومؤسسات القطاع الخاص. وتشير لغة الأرقام، إلى أنه بين كل 3 موظفين وافدين في سوق العمل يوجد موظف سعودي واحد فقط، وهي نسبة غير منطقية، ولا تستقيم مطلقًا في ظل برامج وخطط التنمية الشاملة، والتي يأتي في مقدمتها الاهتمام بالمواطن السعودي، ومواجهة غول البطالة الذي يهدد بجرائم غريبة لم يألفها من قبل المجتمع السعودي. وتبدو القضية أكثر خطورة مع التقدم الكبير في مجالات التعليم بالمملكة، ارتفاع نسبة البطالة بين الخريجين والخريجات، بل وبين المبتعثين (150 ألف مبتعث) ينفق عليهم ملايين الريالات، ولا يجدون لهم وظائف بعد عودتهم من سنوات الغربة، بل يجلسون لسنوات حتى يحصلوا على وظائف. وبينما تشير بعض الدراسات إلى أن نسب السعودة في الوظائف الإدارية تتراوح ما بين 15% و16%. فهي في الوظائف الفنية لم تتجاوز 11%. وهى نسبة تؤكد الشكوى المستمرة من عدم تجاوب المنشآت الخاصة مع نداءات المسئولين، وعدم التزامها بقرارات وزارة العمل. وتواجه عمليات السعودة بالقطاع الخاص عددا من المعوقات، من أبرزها: الارتفاع النسبي في تكلفة العمالة الوطنية، واستمرار تدفق العمالة الوافدة إلى سوق العمل؛ مما يشكل ضغوطاً على الوضع التنافسي للعمالة السعودية عند إحلالها محل العمالة الوافدة. ومن المعوقات أيضا التركيز على الجوانب الكمية على حساب الجوانب النوعية وعدم تأهيل الشباب لمتطلبات واحتياجات سوق العمل، وتحديات التدريب، فضلاً عن انطلاق أغلب مشاريع توطين الوظائف بمبادرة أو قرار من جهة أو مؤسسة واحدة، دون الالتزام بخطة جماعية. إن التحديات التي تواجه السعودة، ليست سهلة، ولكن يمكن اجتيازها والتغلب عليها بمزيد من الإرادة والتصميم على منح الشاب السعودي فرصة إثبات الجدارة والقدرة على العمل، والتماس العذر للخريجين الجدد الذين لم تسعفهم حداثة التخرج والاحتياج للوظيفة من الحصول على سنوات الخبرة المطلوبة، على أن تنفذ لهؤلاء برامج عاجلة لتدريبهم على رأس العمل، وبهذه الطريقة نضمن لهم القدرة على منافسة العمالة الوافدة، التي حتمًا ستتقلص وتعود إلى من حيث أتت، بمجرد إحساس القطاع الخاص بالأزمة والعمل على ارتفاع قيمة ابن البلد، حيث لا تكفي القرارات الورقية وحدها تطبيق السعودة. رابط الخبر بصحيفة الوئام: قطار «السعودة» يسير كالسلحفاة