لم تمر الثورات التي تجتاح العالم العربي منذ يناير الماضي من دون أن تترك تأثيراتها في البنية الاجتماعية للدول العربية، ويبدو الأمر أكثرا أوضحا في التجربة البحرينية الممزوجة بالخلافات الطائفة التي يغذيها النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة. ومع تصاعد التوتر الحاصل بين دول الخليج العربي وإيران على خلفية الأحداث الحاصلة في البحرين، تعالت أصوات من داخل المملكة العربية السعودية، تنادي بمقاطعة محلات تجارية ومطاعم بحجة ملكيتها لسعوديين شيعة، مستخدمة في ذلك العناوين الالكترونية لمستخدمي شبكة الاتصالات العالمية (الانترنت) . حيث بدأ نشطاء مجهولون منذ أيام في إعداد قوائم لمطاعم ومحلات تجارية كبرى مطالبين بمقاطعتها بحجة دعمها لإيران وخيانتها لوطنها الأصلي المملكة العربية السعودية، متهمين جهات شيعية في المملكة بتلقي أموال من إيران وبعض رجال الدين الشيعة لتنفيذ أجندة معادية لسنة الخليج. وتضيف إحدى الرسائل التي تم تدولها على الانترنت “نعم هم يعيشون بيننا بسلام وفضل وخير كثير بل ويتميزون عنا بأشياء أكثر، فهم لا تطبق عليهم قوانين كثيرة تطبق علينا ويخالفون شرع الله ويغض الطرف عنهم ، ويتلقون الأموال بالملايين من أسيادهم في قم و إيران مقابل تنفيذ أهدافهم، وهم بالرغم من أنهم أقلية في البلد ولكن لهم ميزات وخيرات أكثر منا نحن أهل السنة، ولكن يأبون إلا أن يكون ولاءهم للفرس المجوس ولولاية الفقيه ومهما نعمل معهم من خير فلا قيمة لنا نحن كما يسمونا النواصب، فقتلنا عندهم تقرب إلى الله وسب أمهات المؤمنين والصحابة عبادة في مذهبهم”. وقد تضمنت القائمة التي تم توزيعها على نطاق واسع العديد من الشركات والمحلات التجارية والمطاعم والصيدليات في أنحاء واسعة من المملكة . استنكار شعبي هذا واستنكر العديد من المواطنين مثل هذه الرسائل، معتبرين، أنها مجرد حملة لبث الفرقة بين سكان المملكة، وتعدي صارخ على حقوق مواطنيها الشيعة، رغم ولائهم التام للوطن، وعدم اكتراثهم لدعاة التفرقة والفتنة. ويرى بعض الحقوقيين، أن كل من يساهم في “في الترويج لهذه الرسائل يعد مشاركا في الجريمة الهادفة إلى إشعال الفتنة” مطالبين بحملة مضادة للوقوف في وجه مثل هذه التصرفات. ويقول مواطنون سعوديون إن القائمة التي تم نشرها، غير دقيقة، بل وإنها مجرد مغالطة، مفضوحة، مؤكدين أن معظم المحلات والشركات التي تم نشرها ضمن القائمة مملوكة لرجال أعمال سنة، لا علاقة لهم بالمذهب الشيعي. دعوة لملاحقة مروجي الفتنة ودعت جهات حقوقية سعودية إلى ملاحقة من يقف وراء الرسائل التي وصفت بالمشبوهة، أمام المحاكم لإلحاق العقوبة اللازمة بشأنهم، وسد الباب على وجه السرعة أمام كل من يحاول العبث بوحدة البلاد، وانسجامه الاجتماعي. كما طابوا بإنصاف شيعة المملكة بصفتهم مواطنين أوفياء لوطنهم، وجزء من المنظومة المجتمعية للبلاد. مخاوف من انعكاسات اقتصادية واجتماعية ويرى العديد من المحللين الاقتصاديين أن طبيعة المنتجات التي تم نشهرها وعلاقتها المباشرة بحياة المواطن اليومية ، قد يكون له انعكاس مباشر على الاقتصاد الوطني. ويقول بعض أصحاب الشركات والمحلات المستهدفة إن هذا الحملة – التي وصفوها بغير الأخلاقية- ستعرض مؤسساتهم لخطر الركود، وهو ما قد يخلف حالة من التضخم، على السوق الوطنية، إذا ما قرر المواطنون فعلا العزوف عن هذه المنتجات. ويعتقد خبراء اجتماعيون أن من شأن هذه الحملة أن تحدث حالة من عدم الاستقرار والانسجام الاجتماعي داخل المجتمع الخليجي بشكل عام والسعودي بشكل خاص، من خلال بث الفرقة بين الشيعة والسنة. هذا وقد اضطر العديد ممن تضرروا من هذه الحملة إلى ضع لافتات أمام محلاتهم التجارية، يؤكدون من خلالها أن لا علاقة لهم بالطائفة الشيعية أو إيران، في خطوة لتفادي مخاطر، مثل هذه الرسائل، التي وصفت بالمغرضة. وقال ملاك شركة “النافورة” بالرياض إنهم قرروا بالفعل اتخاذ إجراءات عملية لملاحقة من يقف وراء هذه الرسائل، قضائيا.