جاءت صرختها مدوِّية، تحمل ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وإصرار البعض على قتل بشر مثلهم أراد الله أن يكملوا حياتهم ولو بالدين والسلف، وأبى آخرون إلا أن يذلوهم ويجبروهم أحيانا على مدِّ يديهم لهذا أو ذاك، أو قبول أبشع أنواع الاستغلال والابتزاز (العاطفي) أحيانًا. هي قصة أم لجأت إلى "الوئام"، وروت لنا أغرب حكاية وأعجب رواية، بطلها الأساسي الروتين قاتل الأحلام ومدمر البيوت وخاطف السعادة من عيون البسطاء والفقراء، الذين يحملون فوق ظهورهم همومًا تنوء عن حملها الجبال. قالت، التي اقتربت من الخمسين: "لم أَذُقْ طعم الراحة في حياتي، هكذا قدري، خُلِقْتُ للشقاء وعِشتُ من أجلِه، كنتُ أسكن وأبنائي منزلًا بالإيجار، وفي يوم يُدمي القلب احترق المنزل، ومات بداخله أبنائي إلا أحدُهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، سجنتُ الحزن في قلبي، ورضيتُ بقدري وهمّي، ودعوتُ اللَّه أن يعوضَني، واستجاب سبحانه، وسخَّر لي أصحاب الخير والأمير عبد العزيز بن فهد الذين تفاعلوا مع مأساتي، واشتروا لي عقارا، يؤويني وابني الذي أقعده حادث أليم. تصمت برهة وتعود قائلة: "واجهت الحياة بمعاش من الضمان الاجتماعي قدره 1000 ريال، صار لي هذا المبلغ كالكنز، فأنا لا أملك سواه، وأنتظره كل شهر؛ فهو على الأقل يكفيني ذلَّ السؤال، ولكن فجأة، ودون سابق إنذار، انقطع هذا الراتب، وعندما سألتُ عن السبب قال الموظف بكل بساطة: عندك عقار، وهو بالطبع لا يعلم كيف جاء هذا العقار إليّ، يحميني من غدر الذئاب". ومع انقطاع راتب الضمان صارَتْ حياتي وابني الذي يبلغ من العمر 24 عامًا مأساةً، وصِرْتُ أنا مطمعًا لضعافِ النفوس، لدرجة أن البعض كان يتزوَّجُني أربعةَ أو خمسةَ شهورٍ، ببضع ريالات أُواجِهُ بها الحياةَ، ثم يترُكُنِي دون أيِّ ريال. مع مرور الأيام اشتدَّ بابني المرض، ولم أعد قادرة على مقاومة غدر الزمان، فطلبتُ تأشيرةَ خادمةٍ وأخرى للسائقِ، ولكن للأسف لم أستطع تدبير المبلغ اللازم لاستقدامهما ولا حتى راتبهما، ولا أدرى ماذا أفعل؟ فرمضان ليس كأيّ رمضان، لم أشعر به من كثرة الدين ووجع القلب، ولا أملك إلا الدعاء بأن يسخر لي الله، من أهل الخير، مَنْ ينقذني وينتشلني من بحر الهموم. قُلْتُ لها: ألم تساعِدْكِ أيّ جمعية خيرية؟! فأجابتني بانكسار: هم أيضًا رفضوا مساعدتي، بحجة أنه لا يوجد لي على قيد الحياة سوى ابن واحد! أي والله يا ولدي، وكأنه لا بد أن يكون لي عائلة كبيرة حتى أتلقى المساعدة، وأحصل على الأرز والسكر والطحين. وتضيف كسيرة الحياة: "أقسم بالله، بعد أن أغلقت الدنيا كل نوافذها وأبوابها في وجهي، اتصلتُ على أحد المسؤولين، وطلبتُ منه أن يبحث لي عن دار للعجزة أستر نفسي بها، وأهرب بداخلها من هذا الغلاء والفقر الذي يطاردني. وتواصل أمُّ المعاق: "لأنني من ذوي الاحتياجات الخاصة، طلبت سيارة، وتم رفض طلبي أكثر من مرة، فطرَقْتُ أعتاب الديوان الملكي، وتمَّت إحالتي للشؤون الاجتماعية، ومن هناك عدتُ خاليةَ الوفاضِ، وقالوا لي ليس أمامَك حلٌّ سوى التقدُّمِ إلى مجلس الوزراء". وتتساءل أم المعاق بحرقة: "ألهذه الدرجة مشكلتي كبيرة، وحالتي مستعصية وبحاجة إلى تدخُّل مجلس الوزراء؟! أيستكثرون على تعيسة مثلي ألفَ ريال. إنها واللهِ لكبيرة في مملكة الإنسانية والخير والعطاء". وفجأة، انقطع صوتُها إلا من أنينٍ ممزوج بالدموع، ثم تعود بصرخة قوية: "باللهِ عليك يا ولدي، انقل صوتي لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وقل لأهل الخير في بلدي: أنا سعودية ومن هذه الأرض الطيبة، ولولا الحاجة ما كانت هذه الدموع". و"الوئام" بدورها تنقل صرختها، وتسأل، ونحن في شهر رمضان الكريم: هل من يدٍ حانية تكفكف دموع تلك المسكينة، وتسترها في معركتها غير المتكافئة مع الحياة؟ بعد أن انقطع عنها معاش الضمان، وأغلقت في وجهها الجمعيات الخيرية الأبواب؟ رابط الخبر بصحيفة الوئام: قطعوا عنها الضمان.."كسيرة الحياة" تستغيث ب"سلمان" نصير الفقراء