نظافة المدن هي عامل الجذب الأول وعنوانها الأهم الذي تحرص أماناتها أن يظهر بوضوح، إلا أن درجات الوضوح تلك تظهر بشكل متفاوت من مدينة إلى أخرى على الرغم من الجهود الحثيثة والميزانيات الضخمة، ولعلنا نجد أن مبررات ذلك الوضوح من عدمه مقبولة إلى حد ما إذا ما علمنا اتساع رقعة المدينة وازدحامها بالإضافة إلى الاستثناء الموسمي الذي تنفرد به بعض المدن عن غيرها. بيد أن هناك عوامل أخرى لا نقرها قد تؤدي إلى قصور ملموس في مستوى النظافة في بعض المدن، أبرزها طريقة إدارة الشركات المشغلة التي تتعاقد معها الأمانات لنظافة المدن لأهم أدوات النظافة لديها وهي الأيدي العاملة (عمال النظافة) أو كما يحلو لليابانيين تسميتهم «مهندسو النظافة»، والذين نقدرهم كل تقدير، ونقف احتراما لجهودهم الكبيرة التي يبذلونها في نظافة المدن، غير أن ذلك لا يمنع من تسليط الضوء على بعض المشاهد والسلوكيات الخاطئة التي يقومون بها والتي نعيشها بشكل يومي ونلحظ تزايدها باطراد مقلق، مما أثر بشكل ملحوظ على مستوى النظافة، حيث إن بعضهم ينصرف تماما إلى عمل آخر يرى أنه مربح جدا لدرجة تفوق طموحاته المالية، فمثلا نجد أن بعضهم يعمد إلى الدوران حول السيارات عند إشارات المرور أو في الأماكن العامة المزدحمة تاركا عمله الرئيس في محاولة إلى استدرار العطف وفي سلوك يشبه إلى حد ما سلوك المتسولين، معيدين إلى الأذهان ظاهرة التسول التي برزت في فترة ما وبذلت هيئة مكافحة التسول الجهود الكبيرة للقضاء عليها ونجحت إلى حد كبير في تحجيمها. فعامل النظافة حين يقف أمام إشارة مرور واحدة، في ميدان من أربع إشارات، والتي تكون فترة التوقف بها دقيقة واحدة، فهناك 15 مرة توقف لهذه الإشارة، وعلى افتراض أنه سيحصل فقط على خمسة ريالات في كل فترة توقف فهناك مبلغ 75 ريالا سيحصل عليه في الساعة، وإذا اعتبرنا أن فترة العمل الميداني له ست ساعات فإنه سيحصل في اليوم الواحد على مبلغ 450 ريال، وشهريا يصل المبلغ إلى 13500 ريال..! كل ذلك لو افترضنا أنه لم يحصل إلا على خمسة ريالات فقط في كل فترة توقف، وعليكم الحساب لو زاد المبلغ عن خمس ريالات..!! أرأيتم كم هي مدهشة الأرقام، وبالتالي كم هي مغرية جدا لعمال النظافة، وسبب رئيس لترك العمل المناط بهم، والانصراف الكلي إلى جمع الأموال بهذه الطريقة خصوصا وأن ثمة مجتمعا إنسانيا بدرجة كبيرة، ولن يحتاج هذا «المتسول الخفي» سوى لهزة رأس خفيفة يمينًا ويسارا لترتسم صورة المسكين الذي يعاني من فقر مدقع وفي حاجة ماسة للمساعدة.! ومن هنا أتساءل أين الشركات المشغلة ومراقبو عمال النظافة من هذه السلوكيات التي أصبحت ظاهرة ملموسة للجميع والتي ستؤثر حتمًا على إنتاجية هؤلاء العمال في نظافة المدن؟ وهل نحن بحاجة لتدخل هيئة مكافحة التسول ولكن بطريقة مختلفة هذه المرة؟! اختم بالتأكيد على احترامنا الكبير لعمال النظافة وتقديرنا البالغ لجهودهم في نظافة مدننا والرقي بها، ولكن مع ذلك لا نقر سلوكيات بعضهم الخاطئة وصمت شركاتهم المشغلة المطبق حيال ذلك.! رابط الخبر بصحيفة الوئام: التسول بصورة أخرى..!