في الحادية عشرة من عمره سافر (حسين) مع والده إلى مكةالمكرمة لأداء فريضة العُمرة، وهما داخل الحرم المكيّ أصيب المعتمرون بالذهول حينما ارتفع صوت بكاء الطفل حسين، فردد المعتمرون (الله أكبر الله أكبر) قبل لحظاتٍ من صوت مؤذن الحرم الذي أعلن صلاة المغرب، بينما كانت تكبيرات المعتمرين تُعلن وفاة والد الطفل الذي أصيب بجلطة في أطهر بقعةٍ على وجه الأرض. كانت هذه الحادثة هي المحطة الأولى في قطار حياة (حسين الرويلي) الذي ولد عام 1968م، ونشأ على أطراف الحدود الشمالية بمحافظة طريف، حيث اضطر إلى أن يعود من مكة وحيدًا يجرُّ أذيال الحزن على فراق والده الذي لم يستوعب حينها لماذا أتى به إلى مكة دون إخواته البنات الست وأشقائه الذكور الستة، ثم غادر فجأة؟ وصل حسين إلى مدينته الصغيرة طريف ليرتمي في حضن أمه التي ستعول أربع عشرة نفسًا براتب تقاعدي، لا يتجاوز 1500 ريال، فاضطر أن يدرس حسين إلى أن غادر المدرسة في الصف الثاني الثانوي حتى يساعد والدته في إعالة إخوته، ورغم معارضة والدته التحق الصغير بوظيفة مؤقتة في مصلحة الجمارك براتب 1800 ريال، كان مضطرًا من أجل الحصول عليها لاعتلاء سيارات النقل الكبيرة المتوجهة إلى الأردن عبر الحدود من مدينته طريف إلى جمرك الحديثة، إلى أن سمحت له الحياة بشراء سيارة نقل (وانيت قديمة) بأربعة ريالات، وكانت بالكاد تصل به إلى مقر عمله من كثرة توقفها بالإضافة لزيت المحرك الذي كان يتسرب منها باستمرار. بعد عامٍ من العمل تزوج حسين وهو في سن 17 عامًا ليعفّ نفسه، وإبان الغزو العراقي للكويت، طرحت الدولة وظائف عسكرية فالتحق بها وتخرج برتبة جندي براتب 4000 ريال، وكانت نقلة في حياته وحياة أسرته بعدما أصبح له أبناء، لكن اتصالاً من أحد زملاء الماضي الذين تخرجوا في الجامعة، حرك مشاعر الحزن في داخله إلى أنه أخطأ في حق نفسه بترك الدراسة، وقرر أن يتقدم من جديد لثانوية القريات، وبدأ الدراسة ليلاً. كان يستذكر دروسه على مقعده في العمل حيث كان يعمل في المستودعات، واستمر كذلك حتى أنهى الثانوية وبتقدير جيد جدًّا وهو ابن ال24 ربيعًا. ثم أشار عليه قريب له بالتقدم لبعثة اليابان وكانت تدعمها الدولة وشركة الزيت العربية المحدودة في الخفجي، فذهب في آخر أيام التسجيل وحُددت له مقابلة في اليوم التالي، وبعد الظهر عُلقت النتائج بقبول 4 طلاب للدراسة في اليابان كان اسمه بينهم. لكنه كان محاطًا بشعور الحزن؛ كيف يغادر ويترك والدته إخوته وزوجته وأبناءه، فقالت له أمه حينما أبلغها بالبعثة ودون تفكير: (لا تتردد، والله يكون بعوننا وعونك). في اليابان كانت ترن في أذنيه دعوات أمه وزوجته، وكانت تطمينات زوجته على أبنائه تخفف عنه وحشة الغربة. كان يقتسم مع أهله مكافأة البعثة الشهرية رغم غلاء المعيشة في اليابان، وبعد 18 شهرًا حصل على دبلوم اللغة اليابانية ثم التحق بجامعة (ساننو) لدراسة بكالوريوس الإدارة عام 1998 وتخرج فيها بتقدير جيد جدا، فدرس الماجستير في جامعة (أوبرين)وتخرج بامتياز. يقول حسين: أستاذي في مرحلة الماجستير أهداني كتابا من تأليفه وكتب عليه عبارة بالياباني تقول: (الماء القوي يشق جدوله بنفسه، والماء الضعيف يسير من خلال جداول أخرى) هذه العبارة شكلت لي نهجًا بعد التوكل على الله. بهذا الفكر عاد حسين الرويلي عام 2000م (كالقطار الياباني السريع) إلى أرض الوطن ليعوّض والدته وأسرته كافة عن صبرهم، فالتحق بأحد البنوك السعودية لفترة قصيرة من الزمن، ثم استقال ليلتحق بأحد المستشفيات الخاصة في الرياض، ونجح في وضع إدارة للجودة في الهيكل التنظيمي، مما أثر في عمل المستشفى، وبدأ (الماء القوي) يشق قناته بسرعة كما قال له أستاذه الياباني، فبعد 3 سنوات رُقِّي مديرًا للشؤون المالية والإدارية بالإضافةإلى عمله مديرًا لإدارة الجودة بنفس المستشفى، فذاع صيته وظهرت نتائج نجاحاته في المستشفى، وبعدها بسنة تلقى اتصالاً من مكتب وزير الصحة آنذاك الدكتور حمد المانع يدعوه لمقابلته، وفي أثناء المقابلة عرض عليه تكليفه مديرًا للشؤون الصحية بمحافظة بيشة، فقبل على الفور، ثم رُشح مديرًا للشؤون الصحية بالأحساء ثم مديرًا عاما للضمان الصحي التعاوني بالوزارة وبعدها عمل مديرًا عاما للشؤون الصحية بمنطقة الباحة. مدير الشؤون الصحية في جنوب مملكتنا، الذي غادر مقاعد الدراسة ليساعد والدته وأسرته وهو شاب صغير، لم يمنعه طموحه وهو القادم من الأطراف الشمالية أن يكون له شأن عظيم وقصة نجاح يرويها أهالي بيشة والشرقية والوسطى، وكل من عرفه وتعامل معه، لأن له قلبًا حيًّا، استيقظ وهو جنديٌ يحرس المستودعات لينطلق في عالم الإدارة والجودة، يقول: أنا مدين بالفضل بعد الله لوالدتي وزوجتي وأبنائي وأسرتي كافة، ولكل مسؤول منحني الثقة لأخدم وطني وأسخر طاقاتي في خدمة المرضى ليحصلوا على حقوقهم الطبية التي سنُسأل عنها أمام ملك الملوك. لمشاهدة الصورة الخاصة بصاحب القصة http://mofeedsaad.blogspot.com رابط الخبر بصحيفة الوئام: دقائق في قطار «الرويلي» السريع