لقد كان السقوط سريعاً ومؤلما .. تنظر لمى في " الغدرة " المحيطة بها .. كانت المفاجئة أكبر من سنها ومن تحملها. هي الآن لا ترى شيئاً ..غير الم في قدميها وتراب في عينيها ، عويل لا ينتهي .. صراخ مزق احشاء الأرض ، فبكت عليها المياه والصخر والحجر ، وكل الارواح الطاهرة المدفونة بجوارها . لحظات لنستذكر ما جرى .. تبكي بصوت شاهق تنادي بابا .. ماما .. نحيب متواصل يشق عنان السماء ، يسمعه الرب ، ولكن لا تسمعه القلوب التي تحجرت . لعبتها الصغيرة " الرخيصة الثمن " ، لاتزال في يدها تمسح بها دموعها ودماءها ، تتبلل اللعبة .. تبكي اللعبة تتأوه . بئر معطلة ليس فيها ماء .. تنادي مرة أخرى .. ما ما ما ماما انا "عطشانة " .. انا " جيعانة " فينك يا ماما .. ماما . أنا " لمى الروقي " .. سأحكي لكم روايتي .. قبل لحظات فقط .. كنت في حضن امي .. وقبل نصف ساعة خرجنا من بيتنا الصغير .. منذ الصباح ونحن نحكي انا واختي عن الرحلة التي سيأخذنا فيها ابي .. قلت لأختي سأسبقك اول ما نخرج من السيارة .. تخيلت تلك البرية التي سنمضي فيها سويعات قليلة مليئة بالزهور والمياه من اثر الامطار التي هطلت قبل ايام . ركبنا سيارتنا المتواضعة ، امي جاءت بالماء وترمس الشاي الصغير ..وبسكويت تبقى منذ ايام .. فقط كنا نريد الخروج لنلعب هرباً من غرفنا الضيقة ، رجوت والدي ان يشتري لي واختي حلوى وعصير .. انتم لا تعرفون والدي .. انا اعرفه هو رجل فقير لكنه حنون حنية السماء والارض . اخرج ريالات قليلة كنت اعلم انها اخر ريالات لديه ، واشترى لنا الفرح الذي تمناه . وصلنا لوادي الأسمر ….. لم اكن اعلم انني متلهفة على الموت .. كان الموت يخدعني .. لكنكم لم تروه كما رأيته أنا . وصلنا .. اخرج والدي بساطنا الصغير جلس ووالدتي .. سمعتها تحكي له عن حلمها ببيت صغير فيه سطح وفناء .. ومراجيح لنا كنت ارى ابتسامتها وارى المراجيح في عينيها .. وأرى بنات عمومتي وجيراني يلعبون معنا .. ضحك والدي قبل ان يبكي " .. قال لها : هيه يا أم لمى ، انشاء الله نعيش وتشوفين بيتك، قفزت في الهواء بعيداً ، ركضت احمل لعبتي في السماء الفسيحة .. سمعت امي تقول : انتبهي يا لمى لا تبتعدي ، لم أكن اعلم انه آخر صوت اسمعه . أنا الان أنزلق سريعاً في هوة سحيقة .. اسمع الان صوت ابي ينادي يبكي يصيح ، امي من خلفه تريد القفز ورائي .. ابي يسحبها للوراء .. تعود تقبل التراب الذي مشيت عليه .. تقبل قدميه ان يسمح لها بالقفز ورائي . أماه اين انا .. واين انتم .. واين اهلي .. لماذا لا تأتون الي هنا ألستم أهلي ؟ أنا " زعلانة " عليكم ولن يرضيني كل الحلوى والعصير التي يرميها والدي كل يوم في البئر . أخيراً ، يبدو انني سأودعكم للأبد .. انا الآن من ستقفز الى أخر البئر.. سأضم جسدي عليَ حتى لا تجدوني . فبطن الارض خير من قوم عجزوا عن كفكفة دموعي ، وداعاً الى يوم سأشتكي فيه الى الله ماذا فعلتم بي .. ولي. محمد الساعد رابط الخبر بصحيفة الوئام: لحظات بعد سقوط لمى !!