قال عنه أعداؤه كل مايمكن أن يقال في إنسان . وقال فيهم ماهو أسوأ . قالوا عنه صبي ليبيا ، مجنون ليبيا ، عقدة ليبيا ، الكافر ، الملحد . وهاجم بدوره الدنيا كلها تقريباً من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار . كانت هذه المقدمة التي رأي الراحل الدكتور غازي القصيبي رحمه الله أن يفتتح بها حديثه عن العقيد معمر القذافي في كتابه ” الوزير المرافق ” الذي تحدث فيه عن مذكراته أثناء عمله كوزير للدولة منذ عهد الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله وحتى وفاة المؤلف وهو على رأس وزارة العمل .. يقول القصيبي في وصف القذافي “العقيد يعادي بدافع من طموحه ،ويصادق بدافع من طموحه ... ” ويضيف ” ماهو طموح العقيد ؟ بصراحة يريد أن يكون زعيم العالم الثالث كله ، لازعيمه السياسي فحسب بل معلمه الروحي والفكري . هذا سبب حرصه على التدخل في أوغندا وتشاد وفي ايرلندا وفي شؤون الهنود الحمر ” . وعن علاقته بالمملكة يقول المؤلف ” علاقة الأخ العقيد بالمملكة غريبة ومعقدة .كلما ساءت الأمور بين البلدين جاءبنفسه أو أرسل وفداً يطلب تحسين العلاقات . وكلما وصلت العلاقة بين البلدين إلى درجة معقولة من الود نسفها بنفسه وأعادها إلى مرحلة الفتور ” . ويضيف ” قال عن الملك فيصل ما لم يقل مالك في الخمر . ثم قرر أن يجئ بنفسه ليعتذر وليطلب من ” الأب ” أن يغفر لابنه العاق ” !! وبعد وفاة الملك فيصل وكانت إذاعات العالم العربي تبث القرآن الكريم ماعدا إذاعة ليبيا ، ولم يكتف الأخ العقيد بذلك فقد صرح بعدها بأنه يستغرب هذه الضجة لمجرد أن ” تاجر بترول ” قد مات ! ويروي القصيبي حادثة طريفة شهدتها الرياض على هامش زيارة قام بها القذافي للمملكة في العام 1979 م ، حيث أرادت زوجة القذافي زيارة أسواق الرياض مع عدد من الليبيات من أقاربها .وأصرّ الليبيون على أن تتم الزيارة بدون مرافقين أو حراسة أو ترتيبات أمنية مسبقة . وبالفعل ذهب الليبيون ومعهم مندوب للمراسم الملكية . صادفت جولتهم وقت صلاة الظهر حيث تقفل الأسواق وينشط رجال هيئة الأمر بالمعروف في حماية الطرقات مما يعتبرونه مخلاً بالفضيلة والآداب ، كانت إحدى المربيات المرافقات لزوجة القذافي ترتدي ثوباً قصيراً بعض الشئ ، الأمر الذي حدا برجال الهيئة إلى زجرها . وكان مع زوجة العقيد أخوها الذي ثارت ثائرته فصب جام غضبه على رجل الهيئة وتجمع الناس حوله وتكهرب الجو . وكاد الأمر أن يتطور إلى مشاجرة بالأيدي إلا إن مندوب المراسم أقنع زوجة القذافي بالعودة إلى قصر الضيافة . ويواصل المؤلف سرد الحادثة ” غضب العقيد واعتبر الحادثة إهانة مقصودة ، وأصر بأن تستعد الطائرة للإقلاع الفوري . وسمع الملك خالد بالحادثة ، كما سمع الأمير فهد ، فأسرعا إلى قصر الضيافة يعتذران للضيف ويؤكدان له أن أحداً لم يكن يعرف أنها زوجته ولم يقصد إهانتها ،وأنه لولا إصرار الليبيين على عدم حضور رجال الأمن لماحدث ماحدث . رفض العقيد أن يقتنع أو يرضى .... ” وأصرّ القذافي – بحسب الكتاب – على أن يقابل رئيس الهيئة في الرياض ليحاوره عن نظرة الإسلام إلى المرأة والحجاب . رُتب الموعد وقضى رئيس الهيئة أكثر من ساعة في جدل مع العقيد..يعلق القصيبي بقوله ” أشك كثيراً أن أحداً من الطرفين قد استطاع أن يقنع الطرف الآخر بوجهة نظره ” . كما يروي الكتاب حادثة طريقة للعقيد القذافي مع الملك خالد رحمه الله أثناء زيارته للجماهيرية ، حيث بعد أن جرى استقبال شعبي لوفد المملكة ، أعتذر القذافي للملك خالد عن حرارة الاستقبال مؤكداً بأنه لايعرف شيئاً عن الموضوع وأنه بيد اللجان الشعبية . فسأله الملك خالد : يافخامة الرئيس . هل الحكومة الآن في بنغازي ؟ رد القذافي : الحكومة ؟ ليس لدينا حكومة . لقد ألغينا الحكومة والحكم الآن للجماهير عن طريق المؤتمرات واللجان . فعاد الملك خالد ليسأله : والوزراء ؟ هل هم هنا ؟ فرد العقيد : الوزراء ؟ ليس لدينا وزراء . لقد ألغينا الوزارات . لاتوجد الآن سوى أمانات منبثقة من المؤتمرات الشعبية . الملك خالد : وأنت أين تتواجد هذه الأيام . أنت وخوياك ؟ العقيد : في بنغازي فقال الملك خالد : إذن فالحكومة في بنغازي . لماذا لم تقل لي ذلك من البداية . وفي طريق الوفد السعودي برفقة الرئيس القذافي إلى الجبل الأخضر تعرض القصيبي لماشهدته الرحلة من مناقشات حادة ، بين الوفد السعودي والعقيد القذافي ، حيث شهدت الرحلة نقاشاً بينه وبين الملك خالد عن السنة النبوية التي اعترف القذافي بإنكار الجانب القولي منها – الأحاديث – واعترف بالجانب العملي كالصلاة والصيام والحج ، مبرراً رفضه للأحاديث بأنها ” أكثر الأحاديث المنسوبة للرسول ملفقة ومزيفة وكتبت بعد وفاته بمدة طويلة . كيف يمكن الاعتماد عليها ؟ ” يقول المؤلف ” لعلني لا أبالغ إذا قلت بأن هذا الموقف الديني من جانب القذافي أزعج الملك أكثر من أي موقف سياسي اتخذه العقيد ضد المملكة ” . ويروي حادثة أخرى لمناقشة بين العقيد والشيخ ناصر الشثري حول تعدد الزوجات في الإسلام ، حيث انهى القذافي النقاش بقوله للشثري ” كيف أتناقش معك ؟ أنت رجل رجعي دماغك ” متكلس ” تبحث عن تبرير لزوجاتك الأربع ، وأنا رجل ثوري متحرر أنظر على الإسلام نظرة ثورية متحررة ” . ويستغرب القصيبي من تعلق القذافي بكتابه الأخضر ، حيث يورد بأن العقيد قال ذات مرة ” سمعت أن الناس في المملكة يتخاطفون الكتاب الأخضر . عشرات الالآف من الناس . وأكثر من يطلبه الفتيات ” . ويختم رؤيته عن القذافي بشعوره بالشفقة عليه “عندما تحركت الطائرة نظرت الى العقيد من النافذة , وكان يقف ببذلته البيضاء شامخا معتداً بنفسه, وبثورته , وبنظريته . شعرت بشيء يشبه الشفقة . ربما لأنني أحسست أنه كان بإمكان العقيد أن يكون رجلاً عظيماً! “