تحدثت الكاتبة نورة العمر في مقالها بالوطن عن خطاب الكراهية الذي يتم تسعير نيرانه إلكترونيا على شبكات التواصل الاجتماعي أوصل فئات من المجتمع للإضرار جسديا ونفسيا بفئات أخرى، متناسين أن هذا الخطاب هو من محظورات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي لا بد أن يعاقب عليه القانون وحالهم كمن يتنطع ب “ولا تقربوا الصلاة” وهم ليسوا بسكارى. وقالت: قد تكفل القوانين والتشريعات تعاملات الأفراد والمجتمعات متى ما تم رسمها بشكل واضح، ولكن ضبابيتها الحالية لا تفسر هذا الاحتقان المجتمعي بين أفراد المجتمع وفئاته في كل حادثة ومصيبة، فالأغلب يتم تجييشه وعلى أهبة الاستعداد للانتصار لما يحمله من معتقدات ومرجعيات بشتم وتهكم وحملات متناسيا أهمها، المواطنة، التي لم تجعله يصمت ولو للحظات احتراما ولم تردعه عن الانتقاص من أخيه المواطن وهم المنتظرون معا لقطار على أرض وطن. لمطالعة المقال: المحطة القادمة نقف في محطات الحياة المختلفة بانتظار القطار، لننتقل من هذه الدنيا لحياة أخرى، حيث نلحق بإخوة وأخوات فارقونا برحلة سابقة. نحزم أمتعة معتقداتنا وأعمالنا ونترك خلفنا تعاملنا مع من تقاسمنا معهم هذه الحياة المؤقتة كذكريات جميلة ومريرة. لحظة صعود ذلك القطار هي لحظة حرمة عظيمة الشأن لعجزنا بعدها أن نتواصل ونفسر ونعبر لمن ما زالت رحلتهم الدنيوية قائمة، وما زال بإمكانهم رسم اللوحة الخاصة بهم والتي سيتم تعليقها، عاجلا أم آجلا، على حائط المسافرين بلا عودة. ما زال بإمكانهم جعلها مزارا للدعوات والترحم عليهم أو لجعلها من قبيح الفن الإنساني ليتم إخفاؤها لتنسى وينسوا. نفقد يوميا أحبابا لنا عدة، وفقدنا قبلهم علماء دين ودنيا ومفكرين ومثقفين وفقدنا قبلهم أمهات وآباء وأبناء وبنات، يرحمهم الله جميعا، رحلوا وكلٌ سيتحدث عنه ما زرع من عمل وخلق، حسنه وسيئه، لن يزيد حصادهم الدنيوي غلو مديح ولن ينتقصه تطرف حقد كاره. برحيل كل مواطن نفقد جزءا لا يمكن تعويضه لتميزه عن البقية، فلا يمكن تعويض فقد أم ولو اجتمعت أمهات العالم أجمع ولا يمكن تعويض فقد طفل ولو أنجب من بعده العديد ولا يمكن تعويض قادة السياسة والعلم والفن والثقافة ولو تم تدريس طرائقهم عقودا من الزمن. بقدر إيلام هذه الحقيقة المرة إلا أن للأفراد القدرة على تخفيف هذا الألم بالعزاء والترابط وذكر محاسن الموتى لأهل الميت والترحم عليه لتهدأ نفوس ذويهم ويعاودوا الانضمام للرحلة. هذا التطبيب نادرا ما تعترضه خوارق المروءة كالشماتة والتهكم بميت وعدم احترامه أو تندر بلحظة صعوده القطار ولو حصل بمجلس عزاء لقامت الدنيا ولم تقعد ولأصبحت وصمة عار على فاعلها. الفعل يتعدى الموقف نفسه ليترك آثارا على أصحاب العزاء فتمر الأيام وما زالت الحادثة تنخر في خواطرهم ولعلها تتسبب في البعد والفرقة، فالراحل رحل والباقون متناحرون. هذا السيناريو لو تم طرحه في مجلس لعلت أصوات الاستغفار والإنكار والاستعاذة بالله من فعل الشيطان، إذاً لماذا لا يتم الإنكار بنفس الشدة على مستوى المجتمع وأطيافه؟ كما أن الفرد يفقد، فالمجتمعات تفقد، وهذا الانفصال في التصرف ورد الفعل الفردي والمجتمعي نذير على عدم جاهزية المجتمع للحياة المدنية بما تحمله من مواطنة الواجبات والحقوق. عدم الجاهزية يتمثل في قيام جزء من المجتمع بإهانة أهل العزاء، أقلية أم أكثرية، متناسين ما سيخلفه تصرفهم بعد أن ينفض مجلس العزاء المجتمعي. الإهانات المجتمعية تزدهر وتنمو لدى محبي التصنيفات، فهم يجدون بها متنفسا لأمراضهم النفسية وتراكماتها التاريخية، فهذا إسلامي ميت يتندر به ليبراليون وهذا ليبرالي يشمت إسلاميون بموت ابنه، وهكذا دواليك. هؤلاء ينسون أو يتناسون أن هنالك فرقا بين حرية التعبير، والذي يروج له أشباه الحقوقيين، وخطاب الكراهية الذي تتم ممارسته من دون استنكار حقوقي في كل فرصة سانحة، حتى في الموت للانقضاض على من يختلف معهم.خطاب الكراهية الذي يتم تسعير نيرانه إلكترونيا على شبكات التواصل الاجتماعي أوصل فئات من المجتمع للإضرار جسديا ونفسيا بفئات أخرى، متناسين أن هذا الخطاب هو من محظورات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي لا بد أن يعاقب عليه القانون وحالهم كمن يتنطع ب “ولا تقربوا الصلاة” وهم ليسوا بسكارى. حقوق وواجبات المواطنة لا تقتصر على علاقة المواطن والدولة، وإنما هناك مواطنة بين أفراد وفئات المجتمع ببعضهم، وهي ما فشلنا ونفشل بشكل يومي في ممارسته، فلا احترام للاختلاف ولا احترام للمشاعر ولا احترام للخيارات الفردية والمجتمعية، فهل نحن حقا جاهزون لمؤسسات مجتمع مدني بهكذا مواطنة؟! قد تكفل القوانين والتشريعات تعاملات الأفراد والمجتمعات متى ما تم رسمها بشكل واضح، ولكن ضبابيتها الحالية لا تفسر هذا الاحتقان المجتمعي بين أفراد المجتمع وفئاته في كل حادثة ومصيبة، فالأغلب يتم تجييشه وعلى أهبة الاستعداد للانتصار لما يحمله من معتقدات ومرجعيات بشتم وتهكم وحملات متناسيا أهمها، المواطنة، التي لم تجعله يصمت ولو للحظات احتراما ولم تردعه عن الانتقاص من أخيه المواطن وهم المنتظرون معا لقطار على أرض وطن. للموت هيبة ورهبة ولطالما قام بتعرية الأفراد بكل زيارة يخطف فيها أحدهم ليراجعوا ما أعدوا وما زرعوا، وهذه المرة للأسف قام بتعرية مواطنة مجتمع يقف على رصيف محطة قادمة.