أتى على الناس حين من الدهر لا يعرفون من مادة (خاص) إلاَّ سيارات النقل.. فهي أمّا عمومي (أُجرة)، أو (خصوصي).. وهكذا كانت المفردة تسير في إطارها الصحيح.. حتّى استفاق البشر ذات صباح على كلمة (خصوصية). حيث دبّت (كضيف ثقيل الدم) على السطح الإعلامي في كل مستويات خطاباته...إذْ هي كلمات لا تدل على معنى، في الوقت نفسه تدل فيه على كل المعاني.. إنّها مثل المفتاح الذي يفتح كل الأبواب، ولا يصلح لباب واحد! إنها مفردات طارئة اكتشفنا (مصادفة) أنها أُسقطت في أفواهنا ونحن نلهو ونلعب في الصباح الباكر، إنها مفردات من نوعية (لنا خصوصية)، و(خصوصية التجربة)، (ونحن أمة لنا ذاكرة خاصة)! ولكن -بحكم أننا كنا نتمتع بكثير من الغفلة- صدقنا هذه الخصوصية حيث لم يتوقف واحد منا سائلاً نفسه سؤالاً صغيرًا (أين الخصوصية)؟! إذا كانت الخصوصية التي يفهمها أي عاقل.. فكل شعوب الأرض تملك خصوصية معيّنة، التي تدل على اختلاف، ولكن في الوقت ذاته لا تُعطي أي تفوق أو بروز، أو تقدم! فجمهورية (مالي) لها خصوصية أنّها دولة حبيسة، لا يحيطها أي بحر، لا بحر شعري، ولا مائي. والصين لها خصوصية أنها أكبر دولة في سواد البشر وكثرتهم، ومع هذا يمتازون بالحكمة والصمت، وهذه خصوصية ثانية. و(فتحة الشرج) تقع في منتصف الجسم، وهذه خصوصية لها، وخير الأمور الوسط، ومع هذا لا تشير إلى أي تميّز أو تفوّق، ولا تُعطي أي أفضلية لها عن سائر أعضاء الجسم. رغم فائدة فتحة الشرج حيث أنّها أوجدت بابًا كبيرًا في الفقه الإسلامي اسمه (باب الاستنجاء والاستجمار)! ولا حياء في العلم؟ وجريدة الشرق الأوسط تحمل اللون الأخضر في غلافها الخلفي والأمامي، وهذه خصوصية لها، ولكن هل قدمت هذه (اللونية الخاصة) علامة بروز، ومباهاة؟! والضب هو الآخر حيوان أحرش، لا يشرب الماء، وهذه من خصوصياته، لكن هذه (الخصوصية) لم تجعل منه حيوانًا يشبه الاسد! والكلب.. الأخ الوفي، هو من أسرع الحيوانات ركضًا وجريًا وعدوًا، وهذه من (خصوصياته)، ومع ذلك لم يشبه الخيل التي عُقد في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، فلا يكفي أن نقطع ذيل الكلب لكي يشبه الحصان! يقول كاتب كبير اسمه (عبد الحميد البكوش) في كلام كأنه السحر الحلال: (إنّ ما نسمّيه حضارتنا هو في ميزان القوة في هذا العصر مجرد تاريخ، وبعض الخصوصيات، أمّا في ميزان المنجزات والقدرات فإن كفتنا غير صالحة للترجيح.. ولعلّه علينا – كعرب ومسلمين – أن نحذر من الانسياق وراء الاحساس بالتميّز الحضاري، فليس تميّزنا إلاَّ مجرد اختلاف عن الغير، وهو اختلاف لا يدل على أي تفوّق، ولعلّ ما ينتظرنا من الأضرار غير عائد إلى استعداد حضارة أخرى للانقضاض علينا بقدر ما هو عائد إلى احتمال اندفاعنا إلى صدام لا نملك فرصة الكسب فيه)! إننا إزاء مرض كبير، ومن حجمه الكبير لا يكاد يُرى؛ لأنه سد الأفق، وجعل على الأبصار غشاوة سميكة، فمن يسأل نفسه؟! ولماذا؟ وَلِمَ؟ طالما أننا قوم لنا خصوصية، مفادها (أننا نسأل الناس، ونقيّمهم، ونحدد مصيرهم، ونصنّفهم، ولا يحق لأحد من البشر أن يسأل عن أخطائنا، أو يصنّفنا، أو يقيمنا!) حسنا ،ماذا بقي؟!بقي القول..، تذكرتُ شيئًا مريرًا قرأته قبل سنتين مفاده أن إبليس – عليه من الله ما يستحق – له خصوصية، لأنه الوحيد، الذي أبى أن يسجدلله ، والوحيد الذي عصى، والوحيد الذي قال أنا، والوحيد الذي يفتح للإنسان ب (لو) بابًا موجعًا، والوحيد الذي خُلق من نار، والوحيد الذي استجاب الله له بطول العمر، وجعله من (المنظرين) إلى يوم يبعث الناس أجمعين! إنها ليست خصوصية واحدة لإبليس، ولا اثنتين، ولا ثلاثًا، بل هي (حزمة) عريضة من الخصوصيات.. أعاذنا الله – ومن شاء منكم – من كل خصوصية وكبر، وتعالٍ وتكبّر! واخيرا..،قال الشاعر الساخر ابن الرومي: في زخرف القول (ترويجُ) لباطلة والحق قد يعتريه سوءُ تعبير تقول: هذا مجاجُ النَّحلِ تمدحُه وإنْ ذممتَ، فقل: قيءُ الزنابيرِ مدحًا وقدحًا، وما جاوزت وصفهما حسنُ البيان.. يُرى الظلماءَ كالنورِ وأكثر من ذلك يقول الشاعرَ الشعبيَّ بداح العنقري وهو يقول: البدو.. واللي ساكن بالقرايا (كلٍ عطاه الله من هبة الريح) أحمد عبد الرحمن العرفج [email protected] حساب الكاتب في تويتر Arfaj1 مقالات سابقة : في دنياي ومسيرتي المَشايخُ قُدوَتِي! تَذكِير الأحبَاب بعبَارة أكل التُّراب المَزْمَزَةُ في عِلْمِ الرّزْرَزةِ! العَربَجيّة” في جُدَّة.. و”زراعة الدُّخان” في بريدة ..! خيوط العنكبوت في كلمتي السرسري والسربوت! كشف الحقائق لمن أكل بالملاعق! أشعل شموعي لكشف أكذوبة أسمها( النقد الموضوعي)! تكحيل العين بمفهوم الليموزين ! “زرع الأمل في مناجاة الأثل” قرّبت منيتي ،فكتبتُ وصيّتي! الثراء ، في وصف السَّفلة مِن العُلَمَاء