قدر لي أن أزور دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي المرة الأولى التي أزور فيها هذه الدولة الشقيقة، وسأقتصر في هذه المقالة على ما رأيته وشاهدته في محاكم دبي إذ كنت حريصاً وبحكم عملي في المحاماة على زيارة ذلك المرفق المهم وحين نزلت أمام مبنى المحاكم شاهدت أعداداً غفيرة من البشر من كل الجنسيات في الساحة المقابلة للمبنى وحين دخلت الصالة الرئيسية للمبنى الذي يتكون من دورين فقط رأيت أعداداً أخرى جالسين على كراسي مريحة وبجوارهم بوفيه يقدم جميع أنواع المأكولات والمشروبات وفرع لأحد البنوك ومكتبة تحتوي على أمهات المراجع المتعلقة بالشأن القضائي وقلت في نفسي كان الله في عون هؤلاء متى تنتهي قضاياهم لكثرة العدد وصغر مبنى المحكمة، ولكن أول مفاجأة أو ملاحظة إيجابية شاهدتها وجود جهاز للخدمة الذاتية يستطيع المراجع بلمسة يد أن يعرف ما تم في قضيته من إجراءات دون أن يضطر لمقابلة الموظف المختص للبحث عن معاملته كما شهدت عدداً من الشاشات الإلكترونية، وقد ظهرت عليها باللغتين العربية والإنجليزية أرقام القضايا ومواعيد الجلسات في الوقت المحدد لها وما على المراجع إلا الانتظار في تلك الصالة المريحة حتى يأتي دوره لدخول قاعة المحكمة. ثم سألت أحد الأشخاص حيث عرفت من خلال الزي الذي يلبسه أنه يعمل في المحاماة أين قاعات المحكمة وهل يمكنني حضور بعض الجلسات بعد أن عرفته بشخصي فرحب بي وقال أنا بالفعل محام وأشار لي إلى موقع القاعات، وقال لي اذهب سريعاً فإن الجلسات على وشك الانتهاء وكان الوقت في حدود الساعة العاشرة بتوقيت السعودية الحادية عشرة بتوقيت دبي ثم أوضح لي السبب قائلاً إن الجلسات تبدأ الساعة الثامنة صباحاً مع بداية الدوام الرسمي. واستطعت أن أحضر الجلسة الأخيرة في المحكمة المدنية أو ما يعرف لدينا بالحقوق المدنية وكانت المحكمة مكونة من رئيس سوداني الجنسية وعضوين آخرين أحدهما سوداني والآخر حسبما ظهر لي من أبناء الإمارات بالإضافة إلى أمين السر وبعد انقضاء الجلسة استأذنت للحديث معهم وسلمت عليهم وسألتهم كم يستغرق نظر القضية حتى يصدر حكم نهائي؟ فأجابني رئيس المحكمة بأنها تنجز خلال أسابيع وربما تصل إلى ستة أشهر في بعض الأحيان إذا كانت هناك إجراءات ضرورية تطلب من خارج المحكمة كإجراء الفحص الفني لبعض المستندات أو نحو ذلك، ثم أردف يقول إنه من النادر جداً أن تتجاوز ستة أشهر ثم اتجهت لقاعة محكمة الاستئناف الجزائية وكانت أكثر اتساعاً وكانت القاعة ملأى بعدد من المترافعين والمحامين ورجال الإعلام وغيرهم وكان رئيس المحكمة من الجنسية المصرية وعضوان آخران من أبناء دولة الإمارات فيما ظهر لي، بالإضافة إلى أمين السر ومندوب النيابة العامة وكانت الأسئلة الموجهة من المحكمة للمتقاضين مختصرة وموجزة وإذا قدم أحدهم مستندات أو أوراقا أخرى أعطي للطرف الآخر صورة منها فوراً كما لاحظت أن المحكمة تسمح للمتقاضين بالتشاور مع محاميهم قبل الرد على أسئلة المحكمة وطلب أحد المحامين صورة كاملة من أوراق الدعوى فقررت المحكمة منحه ذلك. وفي نهاية الجلسة أعلن رئيس المحكمة النطق بعدد من الأحكام مشيراً إلى رقم القضية والحكم دون الإشارة لأسماء المتقاضين وإنما ينادي أمين سر المحكمة برقم القضية بصوت مرتفع يعقبه رئيس المحكمة بإعلان الحكم قائلاً تأييد أو إعادة أو نقض أو نحو ذلك دون الدخول في التفاصيل ثم أعلن رئيس المحكمة بصوت مرتفع انتهاء الجلسة. وقبل أن أغادر المحكمة سألت أحد الموظفين في القاعة الرئيسة التي يوجد فيها المراجعون عن بعض الإجراءات المتبعة قبل رفع الدعوى وبعد صدور الحكم فيها فأجابني قائلاً أنا في قسم التنفيذ فقط ودور هذا القسم استلام القضية بعد صدور الحكم النهائي فيها وبعثها للجهة المختصة للتنفيذ إذا كانت جزائية أو تتعلق بعقارات أو نحو ذلك أما إذا كان الحكم مشتملاً على حقوق مالية محكوم بها لصالح شخص آخر أو لخزينة الدولة فإن المحكوم عليه يطلب حضوره للمحكمة ومعه شيك معتمد بالمبلغ المحكوم به وإذا لم يحضر في الموعد المحدد يكتب للشرطة للقبض عليه وإحضاره ولا يفرج عنه إلا بعد التنفيذ.