منذ بدء الخليقة والإنسان تتجاذبه مكونات الخير والشر في صراع مرير لم يتوقف. هذه المكونات الفطرية للإنسان انعكست بالطبع على الجماعة فحاولت على مر التاريخ اختراع أنظمة عدلية اجتماعية تحاصر الشر وتشجع الخير بهدف الوصول إلى السلم الأهلي وإشعار الفرد بالرضا والعدل. عندما تقترب بعض الأنظمة نسبيا من النجاح تتطور مجتمعاتها في نطاقات معينة وقد تتأخر في أخرى وعلى أية حال لم يسجل التاريخ أبدا نظاما وضعته أمة أو دولة وكان ذا أثر تطويري تكاملي شامل يوازن بين احتياجات الفرد بدون طغيان في مجال أو إهمال في آخر ولهذا ما تلبث أن تفشل الأنظمة الوضعية وتعود المكونات الفطرية إلى السيطرة على الإنسان من جديد وعندما يتغلب الشر على الخير ينزل الله رسله حاملين أنظمة إلهية (الأديان) بهدف إعادة السلم والعدل المفقود وتشجيع عناصر الخير وتثبيط عناصر الشر. أرسل الله تعالى نبيه عيسى عليه السلام وانتشرت المسيحية كنظام في الشرق واعتنقها الغرب كمخلص من نير الوثنية ولكنها تعرضت للتشويه على مر الأزمان إلى أن اعتقدت الشعوب الغربية أن استمرارية الظلم والقسر والتخلف إنما هو نتاج الدين فأخذت تتملص تدريجيا من الدين باحثة عن إطار جديد إلى أن انتهت إلى اعتماد وتطوير نظام سلطوي مادي يستمد أسسه من رغبات الفرد أيا كانت. أخذ هذا النظام بالتطور شيئا فشيئا معتمدا حرية الفرد كمعيار ومرتكز إلى أن وصل إلى ما يسمى اليوم بالديموقراطية. أخذت دائرة الحرية بالاتساع تحت مظلة الديموقراطية فقدست العقل فتطور العلم وطوعت المادة والبيئة وتحلل الإنسان تحت مظلة الديموقراطية من أغلب القيم الأخلاقية الفطرية والدينية وأضحت السيطرة على حدود الحرية تعني انهيارا للمفهوم الديموقراطي ولهذا استمات الغرب دفاعا عنها كيف لا وهي صانعة حضارته وملهمة ثورته العلمية لكنها أيضا لم تحقق له غاية السلم والعدل فأضحت الشعوب الغربية تعبد القانون بلا إيمان حقيقي بالعدل بقدر إيمانها بأحقية استغلال الفرد الفرص أيا كانت نتائجها وشجعت الفرد على استثمار علمه وعقله وماله بدون أدنى اعتبار للعدل بمفهومه الحقيقي وبدون إحساس بآدمية الإنسان نفسه. قبل هذا أرسل الله تعالى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم خاتما للأنبياء ومخلصا للبشرية جمعاء من اجتهاداتها حاملا نظاما إلهيا يحمل في طياته العدل المطلق الذي تنشده البشرية. أتى الإسلام بمفهوم العدل المطلق الذي لم تستطع كل الديموقراطيات البشرية أن تحققه. لقد أعطى الإسلام الفرد حريته بضوابط فلا ضرر ولا ضرار، لا تزمت ولا انحلال، فقد حفظ الإسلام للفرد ماله وعرضه وشرع له استثمار عقله ومكتسباته بالقدر الذي يعظم الفوائد ولا يظلم ويهدر كرامة أخيه الإنسان تحت أي ذريعة. الإسلام أيضا لم يسلم من التشويه على مر السنين فقد ظهرت الفرق والمذاهب العقائدية ولكن ظل جوهر الإسلام النقي الصافي ثابتا راسخا يخبو في زمن ويظهر زمنا إلى أن قيض الله له رجلا مصلحا عابدا ودولة اعتمدته منهاجا ونبراسا ودستورا ورسالة فحل الخير واضمحل الشر. لقد حققت المملكة العربية السعودية بفضل الإسلام النقي وصلاح حكامها غاية الدين فأقاموا الحدود وحفظوا للفرد كرامته وحقوقه وحريته فلا سلطة لغني على فقير، ولا قوي على ضعيف إلا بالحق، وحفظ للمجتمع أمنه فلا حرية الفرد تؤذي المجتمع ولا المجتمع المبني على شريعة التكافل يقسو على الفرد فبهذا تحققت الكثير من القيم الإسلامية الحقة وتحقق المراد وهو العدل. عندما فشلت الأنظمة الديموقراطية الوضعية في تحقيق مراد الإنسان وتحقيق التوازن بين القيم الأخلاقية والمادية وبين حرية الفرد وقيم الجماعة وفشلت في تحقيق غاية العدل المطلق نجحت ديموقراطية المملكة العربية السعودية الإسلامية لأنها تستمد أسسها من قيم إلهية عظيمة لا يعتريها نقص ولا تغفل عن كل المستجدات الحياتية فالمعيار والمقياس الشرعي كفيل بحل كل إشكال بشري ناشئ نتيجة التطور الزمني للحياة والإنسان. هذا هو نظام حياتنا التي يجب أن نحاجج العالم أجمع على عدالتها ووجوب اتباعها فالعقل لا يقبل أبدا استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير. حمود قسام الجهني ينبع الصناعية