تفاخر كثير من الشركات ومنظمات العمل حول العالم بأنها تملك آخر ما توصل له العلم من تقنية ونظم معلومات ومعدات كهربائية وميكانيكية حديثة، وتنسى تلك المنظمات أو تتناسى أن هنالك طاقة وثروة تفوق في قيمتها كل الثروات وتزيد في إنتاجيتها وفي عائدها الاستثماري كل أنواع الطاقة المعروفة والمتداولة، ترى ما هذه الطاقة العجيبة والثروة العظيمة؟ إنها بلا شك أعظم طاقة وأثمن ثروة عرفتها الإنسانية ألا وهي الطاقة البشرية، فالتقنية الحديثة والأنظمة المتطورة والمعدات الممتازة ليس لها أهمية دون وجود الكفاءات المتطورة والفعالة التي تديرها وتشغلها باقتدار وتسير بتلك المنظمات من قمة إلى قمة ومن نجاحٍ إلى نجاح، لكن هذه الطاقة وتلك الثروة (الطاقة البشرية.) تحتاج إلى تحريك وتطوير واستثمار، في شكل برامج ودورات متعددة ومتنوعة ومستمرة حتى تؤتي أٌكلها ضعفين، وتحقق أرباحاً مجزية على مستوى منظمات العمل بشكلٍ خاص وعلى مستوى الأمم والشعوب بشكلٍ عام. ورغم أن الإنفاق المتواصل للاستثمار في هذا المجال، أثبت لكثير بأنه استثمار مجد، وعائده كبير في الأمدين القصير والطويل، إلا أن بعض العقول الإدارية المتحجرة ما زالت تنظر له على أنه تضييع للمصادر وعبث بالمال لا مبرر له، وقد يكون لا يوجد لديهم الفهم الكامل للأثر العظيم والنفع العميم للعملية التدريبية والتطويرية أو لا توجد لديهم الأساليب والطرق المناسبة. فطرق ترشيح الموظفين للدورات لا تزال تكتنفها المجاملة للأفراد على حساب الكفاءة وطرق اختيار الدورات التدريبية لا تزال عشوائية، كما لا توجد طرق قياس نتائج عائد التدريب على المنظمات أو الأفراد أو المجتمعات. وفي هذا السياق كنت قد تناقشت مع أحد المسؤولين عن تطوير الكفاءات في إحدى الشركات السعودية العملاقة، عن العائد الربحي والاستثماري المباشر للشركات من جراء التدريب، وهل مقولة "إن الاستثمار في الموارد البشرية، تدريباً وتطويراً مجدٍ اقتصاديا وذو عائد استثماري جيد؟" وطلبت منه الاستشهاد بحالات وأرقام واقعية بعيداً عن العبارات والجمل الإنشائية، عندها ذكر لي قصة أحد العاملين في الشركة التي يعمل بها وملخصها "أن الشركة بعثت أحد العاملين بها في دورة مدتها ثلاثة أسابيع لإحدى الدول المتقدمة تقنياً، وأنفقت عليه ما يقارب المائة وخمسين ألف ريال سعودي، وبعد عودته لأرض الوطن وفي أول مشروع (أو مشكلة) لها علاقة بموضوع الدورة استطاع هذا الموظف توفير مبلغ يزيد على النصف مليون ريال سعودي بتطبيقه لما تعلم في هذه الدورة وحله لهذه المشكلة" والقصة لا تحتاج مني إلى أي تعليق. لذلك فهي دعوة لكل مسؤول، في أي منظمة عمل ألا يعتبر الإنفاق على تطوير وتدريب الموارد البشرية بذخاً وإسرافا، وألا يعتقد بأن الإنفاق في مجال الحصول على التقنية والمعدات هو الإنفاق الصحيح وأن يطور طرق اختيار الدورات والمرشحين وأساليب قياس العائد التدريبي حتى يرى ثماره على منظمته.