على مدى نحو عشر سنوات، قضى وقتا يتتبعهم في صحارى المملكة، وكانت النتيجة في النهاية مئات الصور التي وثقت حياة رعاة الأغنام والجمال "غير السعوديين" السارحين بقطعانهم في صحاري المملكة. المصور الفنان السعودي مصلح جميل اختار "حياة على الهامش" عنوانا لمعرضٍ فوتوجرافي يقدم للجمهور خلاصة المشروع الذي بدأ في نهاية 2003 بتصوير من يجدهم من الرعاة في الصحراء أثناء رحلاته للتخييم مع بعض الأصدقاء في مفازات الشرقية والوسطى والقصيم وحائل. انبثقت الفكرة حين كان جميل يغادر الصحراء عائدا للمدينة، ووجدانه مملوء بصور هؤلاء الرعاة المنذورين لحياة هامشية في الصحراء لوقت طويل يمتد لأشهر وربما سنوات، يتعايشون مع أصعب الظروف حرا وبردا وبأقل الإمكانيات، فبعضهم يحمل كل ممتلكاته على حمار يركبه خلف القطيع وبعضهم لا يرى الناس إلا مرة أو مرتين كل شهر. العام 2010 شهد آخر رحلة، ورأى جميل تشكل أرشيف فياض بكل ما في الصحراء من ملامح قاسية، فقرر أن ينتقي 28 صورة من بين آلاف الصور. يقول جميل ل"الوطن: اختياري للصور اقتصر على توثيق الراعي مع قطيعه في الصحراء، استبعدت كثيرا من اللقطات التي لا تشمل في كادرها فضاء الصحراء الشاسع وأدرجت أيضا عدة بورتريهات مقربة لعدد ممن سمحوا لي بتصويرهم. الهدف الأول للمعرض - طبقا لجميل - هو عرض الحالة الإنسانية والاقتصادية لهؤلاء الرعاة بشكل غير مباشر أو إن صح التعبير بشكل صامت أو "بشكل إشاري من عنوانه" حياة على الهامش، واختياري للصحراء، كمكان للعرض لأكثر من سبب، فهو بهذا العمل الفني يرفع إشارة إلى أن هناك من يهتم ويشعر ويرى ما لا يراه ملاك الأغنام والجمال. لكن جميل لا يكتفي بذلك فقط، بل يتعمد اختيار الصحراء كصالة عرض، معتبرا ذلك الاختيار حالة احتجاج شخصية فنية لعدم دعم الفنون في المملكة، حسب قوله، مؤكدا أن الصحراء كصالة عرض لا تكلف ماديا أو شكليا. جميل عرض حتى الآن مرتين في صحراء المنطقة الشرقية، وعاش لحظة العرض على مدى يومين مع الرعاة مع قطعانهم، ويوضح أن العرض سيستمر متنقلا من صحراء إلى أخرى، في الأسابيع القادمة، وترافق العرض كاميرا "فيديو" لتوثيق التجربة، ومن ثم عرضها لاحقا في معرض بصري حركي وفوتوجرافي، بغية الوصول إلى شريحة أكبر تعنيها قضية وموضوع المعرض أو موقفه الشخصي من اتخاذ الصحراء كصالة عرض. حين يتوسع جميل متحدثا عن المعرض يقول: اختياري للأبيض والأسود لصور المعرض يكمن في ما يتعارف عليه في التصوير الصحفي حيث الأبيض والأسود أسلوب لعرض الحقيقة بتجرد بدون بهرجة الألوان وتأثيراتها التي قد تشغل المتلقي عن الموضوع. وقال "لجوئي للأبيض والأسود أيضا لسبب فني آخر هو أن الصور التقطت في فترات متباعدة وظروف جوية وبيئة متباينة وبكاميرات وخامات مختلفة لذا كان الأسود والأبيض هو الخيار الأمثل لتوحيد جو/ مزاج الصور". ولأن الحس الإنساني لا يمكن إلا أن يكون حاضرا في أي رؤية فنية، يؤكد جميل ذلك بقوله: الرعاة يعيشون ظروفا قاسية وبعضهم يحيا لأسابيع على المعلبات وأقراص البنادول متروكين في الصحراء، فهم بحاجة إلى سبل حياة أفضل، فبعضهم يتقاضى مرتبا يقل ثلاث مرات عن سعر أسوأ خروف يرعاه. كما أن حياة بعضهم معرضة للخطر والموت لأنهم معزولون عن العالم بدون أي وسيلة اتصال أو إسعافات أولية وبعضهم ينام في العراء حين تنقل الجمال أو الماشية من مكان إلى آخر. ومن ناحية أخرى، تمنى جميل الالتفات إلى الفنون في الوطن من قبل الجهات الرسمية والخاصة لدعمها بتوفير متاحف وصالات عرض وتمويل أندية الفنون وبناء مقرات لها ودعم المحترفين واستقطاب الهواة، فالفنان السعودي بين نارين - كما يرى جميل - أما العرض مع صالات عرض خاصة مكلفة ولها اشتراطاتها القاسية أو صالات عرض غير مخصصة بالأساس للعروض الفنية وبتجهيزات لا ترتقي لتحوي أعمالا فنية.