منذ بداية الأزمة السورية كانت العيون تراقب ردود فعل إيران نظراً للارتباط الوثيق بينهما، فإيران في نظر المواطن السوري العادي تمثل حليفاً لنظام بشار الأسد ضمن مشروع الامتداد الإيراني في العالم العربي. وفيما يردد عناصر النظام من قوى الأمن والشبيحة "واحد واحد واحد إيران وسوريا واحد"، يردد المحتجون في مختلف المدن السورية هتافات ضد التحالف السوري الإيراني الذي حول بلادهم إلى تابع تسبب في عزله عن محيطه العربي والتحكم في سياسته الخارجية. ساهمت سورية في إعطاء عمق وبعد جديد للنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، في حين سيشكل سقوط نظامها تغيراً دراماتيكياً في المعادلة على حزب الله من خلال ضغطه على أمن إسرائيل، مع تفهم القيادة الإيرانية أن كل المدن المشاركة في الثورة السورية دخلت طريق اللاعودة. ويسود انقسام في التوجهات الإيرانية ما بين التكتل الليبرالي والتيار الإصلاحي المعتدل الذي يقوده الرئيس الإيراني محمد خاتمي ورئيس الشورى الإيراني السابق مهدي كروبي والرافض لدعم طهران المطلق للنظام السوري، وفيما ترى مجموعة يمين الوسط التي يمثلها الرئيس أحمدي نجاد وعدد من أركان حكومته أهمية استمرار الجهود الدافعة لحث دمشق لتقديم تنازلات إصلاحية مع وصول نظام الأسد إلى أزمة اقتصادية خانقة وصلت بالدولار إلى مائة ليرة سورية وحاصرته دبلوماسياً، انقسم الحرس الثوري بين الموقفين. وكانت تصريحات إيرانية قد دافعت عن النظام السوري منذ بداية الأزمة، بدأت في تعديل خطابها السياسي تدريجيا من توجيه تهم المؤامرة للغرب إلى تبني دعوة الأسد لمحاورة شعبه ووقف العنف. وحث الرئيس نجاد دمشق على إيجاد حلول بعيدة عن العنف الذي يخدم مصالح الصهاينة، وفي التاسع من سبتمبر من العام الماضي قال نجاد إن على الرئيس السوري وقف استخدام العنف في قمع الاحتجاجات، قائلا إن الحل العسكري ليس هو الحل الصحيح، وقال في مقابلة للتلفزيون البرتغالي "إن الحرية والعدالة واحترام الآخر من حقوق كل الشعوب، وإن على جميع الحكومات الاعتراف بتلك الحقوق وتسوية أي مشكلة من خلال الحوار"، طالباً تعاون حكومات المنطقة لمساعدة الحكومة والشعب في سورية في التحاور لتسوية خلافاتهم والوصول للإصلاحات المطلوبة. ووردت أنباء مؤكدة عن اتصالات بين مسؤولين في الحكومة الإيرانية والمعارضة السورية لمناقشة مرحلة ما بعد نظام الأسد، ومحاولة التقريب بين بعض ممثلي المعارضة ومسؤولين عن حزب الله، مع حصول عدة لقاءات رصدها الأمن الفرنسي بين معارضين سوريين ومسؤولين إيرانيين، فيما توسعت أنباء غير مؤكدة عن مباحثات مباشرة أميركية إيرانية حول سورية. ويعكس استمرار تذبذب الخطاب الإيراني إعلان وزير الخارجية علي أكبر صالحي "أنه على الحكومات أن تستجيب للمطالب المشروعة لشعبها، سواء في سورية أو اليمن وغيرها"، مضيفاً "الحل الأمني أثبت فشله، وإنه لا يبدو أن الشعب السوري سيتراجع عن مطالبه"، واصفاً المطالب الشعبية بالمشروعة ومطالباً الرئيس الأسد بالاستجابة لها، فيما تهاجم بعض الخطب والخطابات موقف الدول العربية والغرب من سورية وتقارنه بوضع البحرين. أما الموقف المتشدد الذي يقوده المرشد علي خامنئي فهو يعمل على فتح جسر جوي وبحري لنقل الأسلحة بهدف دعم الجيش السوري الذي لا تنقصه العناصر. وجاء إعلان الجيش الحر لاعتقاله خمسة عسكريين إيرانيين في حمص وعرضه فيديو لهم نهاية يناير الماضي ليثير مزيدا من الأسئلة حول شكل هذا الدعم وحدوده. واشتملت التجهيزات الإيرانية المرسلة على ذخائر ومعدات تقنية للاتصال ومراقبة الاتصالات وبنادق قناصة، إضافة إلى الدعم الاستخباراتي من خلال وفد أمني إيراني وصل دمشق في أغسطس الماضي ويساهم في تدريب عناصر الاستخبارات السورية على التعامل مع الاحتجاجات. كما أن قاسم سلماني قائد جيش القدس زار دمشق مرتين منذ بداية الأزمة السورية آخرها كان بداية يناير الماضي.