ولد الشاعر النابغة رادوفان بافلوفسكي في مدينة نيش الصربية في 23 نوفمبر قبل أربعة وثمانين عاماً. عاد به أبواه إلى مسقط رأسيهما قرية (جيليزنا ريكا) وتعني النهر الحديدي بعد بلوغه الأعوام الثلاثة عام 1940، وفيها أنهى دراسته التمهيدية عام النكبتين الفلسطينية والمقدونية بتقدير ممتاز. نشر أولى قصائده الشعرية عام 1952. لينهي دراسته الثانوية في العام التالي. كانت قريته (جيليزنا ريكا) قد احتضنت موسم الشعر الصيفي عام 1955 عندما ألقى قصائده (حفلات)، لتبدأ صحيفة الشباب المناضل التي كانت تصدر في العاصمة (سكوبيِه) بنشر قصائده، وفي عام 1956 التحق بكلية الحقوق في جامعة كيريل وميتودي وبدأ عمله مترجما لوكالة الأنباء اليوغوسلافية (تانيوغ) وبعد ثلاث سنين أصبح مترجما وصحفيا في صحيفة (نوفا مقدونيا) التي تعني مقدونيا الجديدة، وأصبحت قصائده تنشر في مجلة (رازغليدي) وهي ثقافية تُعْنى بالنشر لكبار كتاب وشعراء البلقان وفي عام 1960 أصدر أول دواوينه الشعرية. جال كبير شعراء مقدونيا بلدان الشرق الأوسط في نفس السنة، تجول في قبرص ورافقه في لبنان السفير اليوغوسلافي وقتئذٍ (فلادو ماليسكي) ويُقر شاعرنا بأن العرب الفينيقيين هم الذين أشادوا مدينة أوخريد أشهر المدن السياحية في مقدونيا، وكانت اللاذقية أكثر المدن السورية التي أعجبته، وكان لمصر أثر كبير في أشعاره، فهي بلد الحضارات القديمة، وترك له خطوات في الصحراء الليبية. مقالته الطويلة (فرعون) أدَّت إلى حصوله على جائزة (ملادوست) عام 1961 واعتبر النقاد أن قصائده أضْحت بداية جديدة للشعر البلقاني. قال لي: إنه الشرق العربي وقد أثرى موهبته الشعرية. فسألته عن قصيدته (عربٌ سُمْر في غزوة) فأبى أن تكون امتداداً لصورة العربي القاتمة في الأدب السلافي ورفض تسييس القصيدة، وطالبني بقراءة القصائد العشر لمعلقته (القصيدة المحاصرة). انتقل إلى (نوفا كابيلا) بجمهورية كرواتيا عام 1964 وبعد زواجه بعام حصل على جائزة (براكا ميلادينوفتسي) التي يمنحها مهرجان اُسْتروغا الشعري العالمي، وأصبح مأواه في بلدة (فيبروفا) بكرواتيا أيضاً. نقلت معظم اللغات الأوروبية قصائده إليها عام 1966 وفي سنة النكسة الفلسطينية كما يقول هو حصل على جائزة 11 أُكتوبر العليا للشعر، وفي عام 1973 منحته يوغوسلافيا السابقة جائزتها (اُزلاتنا اُسترونا). قرر الرّحيل إلى بلغراد عام 1982 مُحْتَجّاً على صمت العالم المروع إزاء مجازر الصهاينة في لبنان، ومنْتقداً سياسة عدم الانحياز التي كانت تقودها يوغوسلافيا. في عام 1985 ترجم الأسترالي (ريجيناد دي بريي) ديوانه (السَّيْر في وُعورة الجبال) فاعتمدته الحكومة الأسترالية منهجاً ومُقَرّراً تعليمياً في مدارسها. وفي نفس العام حصل على جائزة (كوتشو راتسين) للشعر وترجمت قصائده إلى أربعين لغة في العالم. حذّر الولاياتالمتحدة من ضرب العراق، وهاجم الأوروبيين المتحالفين معها، وأبلغهم أن الثأر العربي قادم. وأعلن من قريته النهر الحديدي (جمهورية الشعر العالمية) واصطحبني إلى هناك ليهديني حجرا من قريته، وليؤكد لي أن جميع الشعوب ضد الصليبيين الجدد وحلفائهم الصهاينة، ودعا المناوئين للسياسات الصهيونية إلى الاصطفاف خلف الشعراء لأنهم وحدهم يُحِسّون بآلام الشعوب المُضطهدة. التقيته في زيارتي الأخيرة وسألته عن رُؤيته للربيع العربي فقال لي كلمات شعرية: عليك أن تتسلّقَ حتى تصل قمة الجبل وهناك في الأعلى كَرِّرْ رفضك للحزن ولكي تُزيله عليك أن تهبط لِقاع الأرض السفلي وأن تقتلع السِّرَّ من الجذور وتُعْلنه أمام الشمس.