يقارب الكاتب عمر الأنصاري في عمله الروائي الجديد "طبيب من تينبكتو" ملف التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الأفريقية. وهو الملف الذي فتحته الجزائر مع الرئيس ساركوزي في بداية عهده، مطالبة بالتعويضات، نتيجة ما خلفه من آثار أضرت بالبيئة وبصحة سكان المنطقة على مدى عقود. الأنصاري الذي اشتغل في روايته على تقديم عوالم الصحراء عبر حكاية اغترابات وارتحالات مضنية لعائلة تنتمي للطوارق أشهر من سكن الصحراء الكبري قال ل"الوطن": هذا الملف الشائك معروف، حيث الإشعاعات النووية بعد التفجير انطلقت ويصل مداها من مكان التفجير إلى نحو 1700 كم. وقد عمت الأمراض والتلوث مناحي الصحراء واستوطنت أمراض لم تعرف، الملف فتح في السنوات الأخيرة، والسكان يطالبون بالتعويضات. إلا أن جهات تعرقل ذلك، والعجيب أن التعويض المطالب به هو لسكان الجزائر، فيما أضرار التفجير وصلت شمال مالي والنيجر حيث تنتشر قبائل الطوارق. وذكر الأنصاري بتحرك قدامى المحاربين الفرنسيين لمطالبة وزارة قدامى المحاربين في فرنسا بتعويضات على التجارب النووية التي أجرتها السلطات الفرنسية في صحراء رقان في ولاية أدرار الجزائرية (1600 كم جنوب العاصمة) في مطلع الستينات. وإن كانت مطالب قدامى المحاربين الفرنسيين جاءت بناء على مطالب للحصول على الرعاية الصحية والتعويضات، فإن الملف فتح مجدداً في الجزائر من جانب قدامى المجاهدين في الثورة الذين طالبوا السلطات بفتح ملف جرائم فرنسا الاستعمارية التي ذهب ضحيتها الآلاف أصيبوا بإشعاعات هذه التفجيرات النووية التي أجرتها سنة 1960 في الصحراء الكبرى، التي قاربت حوالي 20 تفجيرا نوويا. وحول تماس عمله مع اشتغالات الروائي الليبي إبراهيم الكوني حول عوالم الصحراء والطوارق، قال الأنصاري: أستاذنا الكوني هو ذاكرة الصحراء الحقة، وهو وجداننا وأبو الأدب في الصحراء الكبرى من غدامس الى تينبكتو، وما قدمته ليس سوى هامش صغير من ذاكرة الصحراء التي كرس الكوني مشروعه العالمي من أجلها. القارئ لعمل الأنصاري، وهو يستكشف عوالم جديدة ربما تُطرق لأول مرة في الرواية العربية، قد تستوقفه الصورة المثالية التي تظهر فيها شخوص العمل الطوارقي، وهذا ما يوضحه الأنصاري بقوله: لم أقدم قط شخصية "التماشق" في قالب ملائكي، وما حاولت تقديمه هو الصورة التي كان سيعيشها هذا الشعب لو لم يجبر على تغيير نمط حياته بسبب الاستعمار والدمج القسري الذي لم يألفه، مجتمع كل "تماشق" دفع إلى مصير مجهول ولا يزال يعيش حالة الذهول من هذا المصير الذي دفع إليه، لمحو هويته.