كثر الكلام حول أخطاء الهيئة، والتجاذب الهائل الذي يحصل في وسائل الإعلام حول هذه الأخطاء، مما أدى إلى مطالبة الكثيرين بوضع دورات توعوية مكثفة للأعضاء ولكن هذا ليس كافيا من الناحية التنظيمية، لأن الاحتساب وما ينبغي إنكاره أو منعه سيبقى في دائرة تقدير العضو للموضوع المحتسب فيه وهذا ما نريد تجاوزه، فهذه الدورات مجدية في الممارسة الاحتسابية وليس العمل الاحتسابي، ومثلها التعريف بحقوق الإنسان أو حقوق المقبوض عليه فكلها محاولة للبحث عن السلوك السوي ولكنها غير مؤثرة في تخفيف الاحتقان أو ظهور هذا الجهاز بمظهر عصري. ولابد لحل هذه المعضلة من وضع نظام احتساب يؤخذ ويستخلص من كتب الفقه كما حصل مع تقنين الفقه حينما استخلصت أحكام القضاء من الكتب وتحولت من أحكام ذات طبيعة أكاديمية إلى أحكام نظامية أو قانونية فالحسبة كذلك تحتاج لنفس الخطوة، بالإضافة لما يتم تغييره وفق ما تقتضيه طبيعة العصر وأن يكون بصياغة قانونية مناسبة على شكل مواد، فهذا النظام من المفترض أن يكون موجودا من السابق، ولكن نظرا للاعتماد على مضامين الكتب القديمة في تحديد أعمال المحتسب بل وأحيانا أخلاقيات المهنة فإنه أدى إلى تأخر ظهوره لأن مفهوم العمل الديني لدينا عموما لا يركز على التنظيم الحديث والتجديد والتطوير وإنما على الأخذ المباشر من أقوال السابقين وتطبيقها وهذه ليست خاصة بالحسبة بل بأغلب جزئيات العمل الديني، مع أن أقوال السابقين تعتمد على المفاهيم والعموميات أكثر من التحديدات وخاصة في موضوع الحسبة لأنهم تركوا التطبيق للمحتسب، فهذه وإن كانت مناسبة في أزمنتهم لأن مهمة التقدير للمحتسب سهلة لبساطة الحياة آنذاك إلا أنها تعتبر صفة نقص في زمننا لابد من تفاديها بوضع هذه الأنظمة القانونية، فما هو موجود قديما لا يعد نظام حسبة وإنما ثقافة حسبة فمما ورد قديما مثلا ضرورة استخدام اللين حين النصح، وعدم التجسس لمعرفة هل وقع الشخص في المعصية أم لم يقع، وألا يؤدي الإنكار إلى منكر أكبر، وأن يكون عالما بما يحتسب به، وأن تكون وسيلة الاحتساب مباحة، وأن تؤدي المقصود وغيرها، فهذه أحكام أدبية عامة أكثر من كونها نظاما بالمعنى الحديث للكلمة. ويُقترح لهذا النظام الجديد أن يسمى نظام الاحتساب أو تقنين الاحتساب مع نشره في وسائل الإعلام لأن النشر خطوة بالغة الأهمية ليعلم الشخص الذي يتعامل مع الهيئة ما له وما عليه وما يجب فعله قبل محاسبة الهيئة له وما لا يجب فعله ومن ثم محاسبة أعضاء الهيئة ورفع قضايا عليهم بناء على موجبات هذا النظام وبذلك تقل هذه الفوضى الحاصلة. ولابد لهذا النظام المقترح أن يتناول حجم الإنكار باليد ومتى يكون وما هي السلبيات التي يحق للعضو إنكارها بيده أو إزالتها أو ضبطها إن كانت من الأشياء العينية، ويتناول النصيحة وحالاتها وهل يلزم استماعها ثم هل يلزم تنفيذها ومدى شمولها للمسائل الخلافية وتحديد هذه المسائل ولا يكتفى بهذه الصياغة العامة، ويتناول حقوق الناصح (عضو الهيئة) في حال الاعتداء عليه، ويتناول صلاحية الهيئة في الأماكن المحددة وهل لإدارة ذلك المكان تقليص دورهم أو وضع محددات لهم ومثلها المحافل الدولية التي تقام في بلادنا وحجم دخولهم وممارسة عملهم بها، ويتناول المظهر الخارجي للإنسان وما يجوز كشفه من الجسد وما لا يجوز، وما يجوز حمله من شعارات دينية في ملابس الشخص وما لا يجوز، ويتناول حجم تدخل الهيئة في حالة الكوارث أو الحوادث وهل يحق لهم منع الجهات الإسعافية من عدمها في الأماكن المنكوبة، وكذلك الممارسات الدينية للأديان الأخرى أو المذاهب الأخرى وما يمنعون منه وما يقرون عليه، ومثلها ممارسة بعض العادات الاجتماعية لدى بعض المقيمين أو الوافدين إذا كانوا يرون صحتها، ويتناول كذلك حجم المجاهرة بالمعصية وكيف تكون، وكذلك الإنكار في مسائل الصلاة ومتى يحق لعضو الهيئة مساءلة شخص عن الصلاة، ويتضمن تحديدات للاختلاط المبتذل من غيره، وفي حال القبض على الشخص وفق هذا النظام فإنه يتبع في ذلك التعليمات المذكورة في نظام الإجراءات الجزائية مما هو متعلق بالقبض والتلبس وتحديدا في المادة ثلاثين إلى المادة التاسعة والثلاثين. هذه هي أبرز النقاط التي يجب أن يتضمنها نظام الاحتساب وأن يطلع عليها الناس وأن تنشر إعلاميا كما أسلفت كما نشر نظام المرافعات والإجراءات الجزائية لتكون العملية أكثر انضباطا وأن نبتعد عن الارتجالية الحاصلة.