أخلصت الكرة السعودية في مواسمها الأخيرة لعادة سيئة تمثلت في تساقط بعض نجومها واحداً تلو الآخر في صور متشابهة، تُنمي عن غياب الهوية الاحترافية وفقدان أهم جزئياتها التي يجب أن يتحلى بها اللاعب. وتزايد توالي سقوط نجوم الكرة السعودية مع ارتفاع سقف الاحتراف وزيادة مداخيل اللاعبين التي تسير جنباً إلى جنب مع مغريات الحياة، ومع انفتاح أبواب الشهرة، ولذا، ودون مقدمات هوى كثير من هؤلاء من أعلى أبراجهم بعد أن كانت الآمال معقودة عليهم ليقودوا فرقهم إلى أعلى عتبات المجد الكروي. ويسهم قصور الفهم الاحترافي وتدني الوعي في دفع بعض اللاعبين بسرعة نحو الهاوية، لنجدهم يتخلون عن الالتزام بالمنهج الاحترافي، ويتمردون على مبادئه، فتسوء علاقتهم بأنديتهم، وتهدد مستقبلهم، وتقودهم إلى التحول خارج أسوار هذه الأندية، والمحظوظ منهم من يجد فرصة في ناد آخر. وكان آخر الأمثلة على تردي العلاقة مع النادي، لاعب الهلال خالد عزيز الذي لم تجد إدارة الهلال حلاً لإيقاف تمرده على الالتزام بالتدريبات والانضباط سوى أن تتخلى عنه معاراً لنادي الشباب، وهو انتقال ربما ينقذ مسيرة اللاعب لو تخلى عن خروجه الدائم عن الانضباط، والتزم بالمبادىء والضوابط الاحترافية. وسبق عزيز أمثلة أشد وطأة ابتداء من عصر الاحتراف الذي شهدت الملاعب السعودية فترته الثانية ابتداء من عام 1993، فقد سقط أكثر من نجم في براثن المغريات، وتخلوا عن النجومية نتيجة لعدم الالتزام الفني، مثل لاعب الأهلي عبيد الدوسري، وكذلك زميله فوزي الشهري, ولاعب النصر طلال الفردوس، ولاعب الرائد محمد السلال, ولاعبي الهلال الشقيقين عبدالله وفيصل الجمعان, وقائد فريق الرياض السابق إبراهيم المفرج. وعما إن كان هناك ربط بين الوضع المادي الذي يعيشه نجوم الكرة، وحالات تهاوي بعض نجومها بصورة مذهلة، يقول المحلل الاقتصادي المطلع على الشؤون الرياضية راشد الفوزان "غياب الاحترافية والتطبيق الكامل لها، وغياب الفكرالاحترافي، وفقدان الوعي بأهمية الرياضة، وأنها تشكل المصدر المالي الأهم للاعب يقف خلف سقطات النجوم". ويتابع "المشكلة الأساسية تكمن في عقلية أولئك اللاعبين بعيداً عن حياتهم الخاصة وطريقة تفكيرهم.. هناك لاعبون شهدوا فترات توارٍ عن الأنظار، وخفت بريقهم، وجاء لاعبون بعدهم واستمروا في نجاحاتهم مثل سامي الجابر ومحمد نور ومحمد الشلهوب على سبيل المثال". واستشهد الفوزان بتأكيدات مدرب الهلال الأسبق، البلجيكي إيريك جريتس الذي أكد افتقاد اللاعب السعودي للانضباطية والالتزام، وعلى تسابق بعضهم لتقديم الأعذار الواهية عن قصورهم في أداء تدريباتهم وخلافها، وكأنها أعذار طلاب المدارس أيام زمان!!. وشدد الفوزان على ضرورة تطبيق الاحترافية الكاملة في الأندية، وتطبيق الخصخصة فيها، مما يلغي (توسطات) أعضاء الشرف الذين يتدخلون أحياناً ويؤثرون على تطبيق المنهج الاحترافي، فيعيدون بعض اللاعبين الذين يرون في الاحتراف فقط إيرادات وحقوق، دون أن يروا أن وجهه الآخر هو الالتزام والانضباط، مستغرباً مثلا ألا يتعلم محترفونا المحليون من لاعبي الأندية المتقدمة في الخارج، ويعلق "لانسمع عن إصابات كثيرة تلحق بالنجوم المحترفين في الأندية الكبيرة في الخارج، وتلفت نظرنا تلك الجاهزية البدنية لهم، وذاك البنيان الجسماني اللافت خصوصاً أنهم يتبادلون القمصان مع لاعبي الفرق المنافسة، دلالة على الحالة الصحية والبدنية المثالية التي يفتقدها لاعبونا في تأكيد على هشاشة تطبيق الاحتراف لدينا بكل صوره". بدوره، يشدد وكيل أعمال اللاعبين عبدالرحمن الخنين على أهمية أن يكون وكيل الأعمال قريبا من لاعبيه في توجيههم ونصحهم، وألا يكون دوره مقتصراُ على البحث عن عروض احترافية لهم. وضرب الخنين مثالاً بقصة خالد عزيز الأخيرة، وقال "وكيل أعمال عزيز بعيد عنه، وبالتالي فاللاعب يفتقد للنصح, ويفتقد للموجه والناصح القريب منه على الدوام". وشدد الخنين على أهمية الثقة المتبادلة بين اللاعب ووكيل أعماله، معتبراً أنها أساس النجاح في تشكيلهما ، مشيراً إلى العقبات الكبيرة التي تواجه تطبيق المعنى الحقيقي للاحتراف من قبل اللاعبين. ويبرز مدرب تطوير الذات محمد أمان أهمية التعاطي مع المستويات التعليمية للاعبين والتحصيل الثقافي، ويقول "اللاعبون بحاجة للحصول على الندوات التدريبية والتطويرية بهدف تكريس معنى الاحتراف وفلسفة العمل الاحترافي داخلهم، ويحتاجون كذلك لتذكيرهم الدائم بما ينطوي عليه المستقبل من مخاطر ذات صلة بوضعهم المالي". وحمّل أمان الأندية مسؤولية الحفاظ على لاعبيها، وقال "تتحمل الأندية جزءا كبيراً من العبء في هذا الجانب، ومسؤوليتها تتجاوز مجرد تجهيزلاعب كرة قدم، فعليها كذلك مسؤولية اجتماعية وثقافية، باعتبارها أندية ثقافية ورياضية واجتماعية". ويفضل أمان أن تعقد التدريبات والندوات الخاصة بتوعية اللاعبين احترافياً خارج محيط النادي وفي الأماكن التي يفضلها اللاعبون, وشدد على أهمية مخاطبة اللاعبين وفقاً لثقافة الحي أو النادي على سبيل المثال, كما بين أهمية تذكيرهم الدائم بمستقبلهم وكيفية الحفاظ عليه وأخذهم الاحتياطات اللازمة لكل الأزمات التي ربما يتعرضون لها. وذكّر أمان بموقف للاعب الإيطالي السابق روبرتو دونادوني عند وصوله للاحتراف في نادي الاتحاد، وكيف ينظر للمستقبل بعقيلة احترافية، وقال "أحضر دونادوني مع أمتعته حذاء خاصاً بالمطر، لكن إدارة الاتحاد أخبرته أن جدة ليست من المدن الممطرة، فقال حينها: حين يهطل المطر هل ألغي حصتي التدريبية بحجة عدم وجود حذاء خاص للعب في المطر".