لماذا يمنعونني من دخول مدرسة القرية يا أبي؟ لماذا يرفضون قبولي ويحرمونني من مواصلة دراستي مع زميلاتي؟ هل سيسمحون لي غداً؟ هل وعدوك بذلك يا بابا؟ تلك الأسئلة وغيرها تعيث قلقا بي وبأسرتي الصغيرة، وهي لا تنفك لسان حال طفلتي (جنا) ذات التسعة الأعوام، لا تمل تكرارها صباح مساء منذ أن وطئت قدماي أرض المملكة قادما من بريطانيا في إجازة رسمية بمناسبة رأس السنة مثلي مثل الكثيرين من طلاب الوطن المبتعثين طفلتي (جنا) التي تدرس في الصف الثالث في المدرسة السعودية بأدنبرة، والطالبة المتفوقة بالصف الرابع في مدرستها الإنجليزية، المسرورة بالإجازة – كأسرتها – والمتشوقة لأرض الوطن، طفلتي التي عادت ومخيلتها ترسم الأمنيات البريئة كطفولتها الغضة تحدوها وعودي لها بإمكانية مواصلة دراستها مع بنات عمها في مدرسة القرية. فترة طويلة مرت وطفلتي الصغيرة جنا تنتظر من أبيها إنجاز وعوده الوردية تلك هذه الوعود الجميلة التي تمخض واقعها صادما لأحلام طفلتي المسبقة بكل تفاصيلها ومشوها لما تمثلته فيها من صور، ومحيرا لي تفسيره وتبريره بما يشبع فضول طفلة صغيرة وبالقدر الذي تطمئن إليه قناعتها، وهي التي كلما كررت أسئلتها تلك ترددت على أسماعها مفردة واحده لا يكاد يجاوزها محك النقاش إلا وعاد إليها، النظام، النظام الذي لا تعي منه طفولتها الحائرة إلا حرمانها من مواصلة الدراسة، ذلك الحرمان غير المُسَبَّب الذي يضطهد أحلامها وخيبة وعود والدها التي انهارت أمامها ما شيدته من أبراج متعتها في رحاب الوطن بالأهل والمدرسة والصديقات. كل ذلك وهي ترى والدها يتأرجح بين تعنت مديرة مدرسة المحامل القريعية الابتدائية للبنات التي تطلب تخويلا يسوغ لها قبول الطالبة (جنا) في مدرستها، وبين روتين معقد تتبناه مديرة الاختبارات بإدارة تعليم جازان للبنات، وتتقول بموجبه التعليمات الوهمية تارة، وتارة تشترط من خلاله استصدار توجيه من مدير عام التربية والتعليم بمنطقة جازان. وأمام هذا وذاك، ظل يذرع والد الطالبة جنا الطريق بين محافظة أحد المسارحة ومدينة جازان ذهابا وجيئة، منذ أول أيام إجازته، محاولا الحصول على ذلك التوجيه السحري، وقبل يومين، ويومين فقط من نهاية الفصل الدراسي الأول31- 1432يتمكن من استصدار تأشيرة المدير العام المطلوبة: أن لا مانع من قبول الطالبة المذكورة. تنفس والد الطالبة جنا، الطالب المبتعث، تنفس الصعداء وتوجه وزوجته أم جنا – في سباق مع الواقع والزمن- إلى مكتب المسؤولة المذكورة، المكتب الذي قضيا عشرين يوما رهن أهواء صاحبته وفريسة آرائها المرتجلة، توجها مستبشرين يحسبان أن طفلتهما الطالبة جنا ستباشر مع زميلاتها صبيحة اليوم التالي في مدرسة القرية، المكتب هو ذات المكتب، الذي تدخله أم الطالبة جنا كل يوم تقريبا منذ عشرين يوما مضت، وتخرج منه خالية الوفاض، إلا من غصة حسرة، وشعور ممض بالاستخفاف المستبد، المكتب موجود، ولكن صاحبة المكتب غادرته مبكرة على غير عادتها هذا اليوم! لماذا فعلت ذلك؟! هل كان من قبيل الصدفة؟! لم يملك والد الطالبة جنا وأمها إلا أن يعودا كسيرين إلى منزلهما، عاد الأبوان وكل منهما يسأل الآخر في صمت، ماذا سنقول لجنا؟ كيف سنواجهها؟ بماذا نجيبها؟ هل يعجز نظام التعليم عن قبول الطالبة جنا ...، هل يعجز هذا النظام عن منح طفلته (الطالبة جنا) مقعدا صغيرا في زاوية فصل لتتمكن من مواصلة دراستها في الصف الثالث الابتدائي مع مثيلاتها في مدرسة القرية الابتدائية؟ الطالبة، ما زالت تكرر أسئلتها غير يائسة. ونحن على صدى أسئلتها نتساءل، هل حقا أن تعليمات النظام التعليمي في المملكة هي السبب في معاناة الطالبة السعودية الصغيرة جنا بنت الطالب السعودي المبتعث الذي يعده الوطن من خلال نظامه التعليمي للمستقبل، بينما ذات النظام التعليمي يحرم طفلته تلك من أبسط حقوقها أمام عينيه وبين يديه؟