الدواجن الوطنية لا تعاني من الإغراق المحظور، بل تواجه الدعم المسموح القابل للتقاضي. وهنالك فرق شاسع بينهما، ولا بد من التحقق من قيمة الدعم، ونوعيته المادية، ومدى الضرر الجسيم الذي يلحق بصناعة الدواجن الوطنية والعلاقة السببية بينهما للتعرف عن مدى قابليته للتقاضي. منذ أكثر من 15 سنة وصناعة الدواجن السعودية تعاني من استخدام الشركات الأجنبية للسياسات المشوهة للتجارة، والتي منها الإغراق المحظور والدعم القابل للتقاضي والزيادة غير المسوغة في الواردات، وذلك بهدف منافسة المنتج الوطني بطرق غير عادلة، مما أدى مؤخراً إلى استحواذ الشركات الأجنبية على حصة تضاهي 55% من سوق الدواجن السعودي، و33% من سوق الدواجن الخليجي. ولا غرابة في ذلك، فالسوق الخليجي يتمتع بقدرات استيعابية فائقة، وأسواق مفتوحة أمام الواردات الأجنبية، بالإضافة إلى القوة الشرائية المميزة للمستهلكين، حيث ارتفع استهلاك دول الخليج في العام الماضي ما يعادل 6 مليارات دولار أمريكي من لحوم الدواجن، و5 مليارات من لحوم الأغنام، و4 مليارات من لحوم الأبقار. وتختلف السياسات المشوهة للتجارة اختلافاً جذرياً في أساليبها الملتوية وأضرارها الجسيمة على السوق المحلي والمنتجات الوطنية، وتتطلب طرق معالجتها المعقدة والمتشعبة للحد من أخطارها معرفة دقيقة ودراية تامة بأحكام القواعد القانونية المدونة في اتفاقات منظمة التجارة العالمية. ولا يعتدّ بمضمون قضاياها وآثارها على المنتجات الوطنية إلا بعد التحقق من هوامشها والتأكد من ضررها الجسيم والعلاقة السببية التي تربطها بالواقعة، سواءً كانت تمارس الإغراق أو تستفيد من الدعم أو تغزو الأسواق بزيادة غير مسوغة في الواردات. وتعرّف ظاهرة الإغراق بالممارسة المحظورة التي تسعى من خلالها الشركات إلى تصدير السلع بسعر يقل عن قيمتها الحقيقية في السوق المحلي لهذه الشركات المغرقة، أو أقل من سعرها في أسواق دولة أخرى. ولا يعتد بواقعة الإغراق إلا إذا تم إثبات هامش الإغراق، وهو الفرق بين سعر التصدير والقيمة الحقيقية، وكذلك إثبات الضرر الجسيم الذي يلحق بالمنتجات الوطنية أو يهددها. ولا بد من إثبات العلاقة السببية بين هامش الإغراق والضرر الجسيم. ويتم تحديد هامش الإغراق عن طريق مقارنة سعر التصدير بالسعر المقابل للسلعة المماثلة لدى التصدير إلى دولة ثالثة، أو بواسطة القيمة المحسوبة لتكاليف الإنتاج مضافاً إليها التكاليف العامة والإدارية والتسويقية والأرباح. أما الدعم القابل للتقاضي فهو قيام دولة المنشأ بتقديم مساهمة مالية مباشرة أو غير مباشرة لمنتجاتها وصادراتها. ولا يعتد بواقعة الدعم إلا إذا تم إثبات قيمة الدعم المحظور المقدم للمنتجات المصدّرة، والضرر الجسيم الناتج عنها في الدولة المستوردة، والعلاقة السببية بينهما. وتحظر قواعد منظمة التجارة العالمية كافة أنواع الدعم المباشر المرتبط بالأداء التصديري، مثل توفير مدخلات مدعومة لإنتاج سلعة تصديرية، وتقديم مكافآت مالية للتصدير، وفتح اعتمادات بمعدلات فائدة متميزة، وإعفاء الصادرات من الضرائب المباشرة وغير المباشرة، واسترداد رسوم الاستيراد التي تزيد على تلك المفروضة على مدخلات السلع التصديرية، واعتماد ضمان الصادرات بأقساط غير كافية لتغطية تكاليف برامج الصادرات على المدى البعيد. أما الزيادة غير المسوغة في الواردات فهي أكثر السياسات تشويهاً للتجارة، لكون من يمارسها هم الوكلاء المواطنون المستوردون للمنتجات الأجنبية غير المغرقة وغير المدعومة. ويقوم هؤلاء الوكلاء بالتعاون مع الشركات الأجنبية بطرح كميات متزايدة في الأسواق المحلية وبشكل مطلق مقارنة بالإنتاج المحلي. وتتسبب هذه الظاهرة في إلحاق الضرر الجسيم بالمنتجات الوطنية، كما هو قائم حالياً في الأسواق الخليجية. ولا يعتد بواقعة الزيادة غير المسوغة في الواردات إلا إذا تم التحقق وإثبات نسبة الزيادة في سوق المحلي، والضرر الجسيم الذي يهدد المنتجات الوطنية، والعلاقة السببية بينهما. ولم تحدد اتفاقيات التجارة العالمية نسبة الحد الأعلى للزيادة، ولكنها حظرت على شركات الدول النامية تصدير حصة تفوق 3%، كما حظرت على مجموعة من الشركات في الدول النامية تصدير حصة تفوق 9%، فإذا فاقت الزيادة هذه النسب تم تطبيق الحماية الوقائية عليها. هذه القضايا واضحة ومعروفة، وتؤكد مرة أخرى أن الشركات العالمية لن تتوانى عن ارتكاب مثل هذه الجرائم التجارية في الأسواق الخليجية لعدم استخدام الدول الخليجية لأنظمتها وتهاونها في الدفاع عن مصالحها الحيوية، فالمملكة، على سبيل المثال، كانت سباقة في إصدار الأنظمة اللازمة لمكافحة مثل هذه الممارسات الضارة. أنشأت المملكة لجنة دائمة لمكافحة الإغراق والحماية الوقائية بموجب الأمر السامي رقم 5/ب/6574 وتاريخ 29/5/1421ه، وأصدرت نظاماً موحداً لمكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والحماية الوقائية بالمرسوم الملكي رقم م/30 وتاريخ 17/5/1427ه. على القطاع الخاص المتضرر أن يلجأ فوراً لهذه الأنظمة ويسخر كافة طاقاته في تقييم الممارسات المشوهة للتجارة بعد التأكد من الوقائع والحقائق قبل إصدار أحكامه الجزافية بشكل لا يمت للإغراق أو لأي قضية أخرى بصلة. وعلى القطاعات الحكومية المختصة أن تتكاتف جميعها لتقديم كافة المعلومات المطلوبة عن تكاليف إنتاج السلع الوطنية ودراسة كميات المنتجات الأجنبية التي تغزو الأسواق المحلية. استثمارات قطاع الدواجن في المملكة فاقت 10 مليارات من الدولارات، وقد نخسر هذه الاستثمارات أمام واردات الدواجن الأجنبية المدعومة.