دعا مختصون إلى أهمية إنشاء لجان بوزارة التجارة تتفرغ لقضايا الإغراق وتقديم حلول لحماية الصناعة الوطنية، بشرط أن تكون هذه اللجان على قدر عالٍ من المهنية والاحترافية، وقالوا إن تنافسية صناعات البتروكيماويات السعودية جعلتها تفرض سيطرتها على الأسواق العالمية، مطالبين بأخذ اتفاقيات منظمة التجارة العالمية على محمل الجد بشكل أكبر، كونها أداة قانونية قوية جداً لحماية مصالح الدول المنضوية تحت لواء الاتفاقية. وأكد الدكتور علي البريدي المتخصص في التجارة الدولية أنه يجب أخذ هذه الاتفاقيات محمل الجد بشكل أكبر لأنها تتطلب وعياً وإدراكاً كبيرين للآثار المترتبة على نصوصها سواء كانت إيجابية أم سلبية، وما قضايا الإغراق إلا إحدى أدواتها، حيث تستخدمها الدول المستوردة خصوصاً التي لديها صناعات منافسة كأدوات حمائية. وفي اعتقادي أن تحدي قضايا الإغراق سيتزايد خصوصاً في مجال صناعة البتروكيماويات التي تتمتع فيها الشركات السعودية بميزة تنافسية مكنتها من فرض سيطرتها على الأسواق العالمية بطريقة متنامية خصوصاً مع اكتمال إنشاء المصانع الجديدة التي يجري العمل على الانتهاء منها حالياً في المملكة.أما الدكتور العلمي فيري أن التحدي الحقيقي أمام التجارة الخارجية يصب في كيفية التعامل مع قضايا الإغراق سواءً كانت تلك التي ترفعها السعودية ضد المنتجات الأجنبية أو القضايا المرفوعة ضد المنتجات السعودية من قبل الدول الأخرى. فمكافحة السياسات المشوهة للتجارة تتبع في أحكامها القانونية وقواعدها التجارية مدى قدرة الدول على التأكد من وقائعها وأضرارها الجسيمة على السوق المحلي والمنتجات الوطنية. لذا تتطلب طرق معالجتها المعقدة والمتشعبة للحد من أخطارها معرفة دقيقة ودراية تامة بأحكام القواعد القانونية المدونة في اتفاقات منظمة التجارة. ولا يعتد بواقعة الإغراق إلا إذا تم إثبات هامش الإغراق، وهو الفرق بين سعر التصدير والقيمة الحقيقية، وكذلك إثبات الضرر الجسيم الذي يلحق بالمنتجات الوطنية أو يهددها. علاقة سببية بين الإغراق والضرر وفيما يتعلق بقضية الإغراق مع تركيا قال الخبير السعودي في التجارة العالمية الدكتور فواز العلمي إنه فرضت رسوم إغراق على منتجات بتروكيماوية بعد أن كانت قد فتحت باب التحقيق في دعاوى الإغراق في 2008 هذا وقال إن تركيا قامت بالإعلان عن هذه القضايا في صحفها الرسمية وعلى الموقع الإلكتروني لوزارة التجارة الخارجية التركية بتاريخ 26 ديسمبر 2008م، حيث أعلنت تركيا في حينها رسمياً أنها بدأت التحقيق في دعاوى الإغراق التي رفعتها بعض المصانع التركية ضد منتجات مونوإيثلين جلايكول (MEG) المنتجة في السعودية والكويت وبلغاريا والمصدرة للأسواق التركية. وبعد تأكد تركيا من واقعة الإغراق أصدرت الحكومة التركية قرارها رقم 2010-11 وتاريخ 2 مايو 2010 القاضي بفرض رسوم مكافحة الإغراق على هذه المنتجات البتروكيماوية المصدرة من هذه الدول إلى تركيا بواقع 4% إلى 20% طبقاً لهامش الإغراق الذي تم التحقق منه. وهنا يرى الدكتور البريدي أن العلاقة بين المملكة وتركيا علاقة إستراتيجية تدعمها قيادة البلدين، والآن تجري مباحثات حثيثة بقيادة وزيري التجارة في البلدين، وأظن أنه سيتم التوصل إلى حلول إن لم تكن جذرية فبتخفيض الرسوم التي فرضت على المنتجات السعودية بما لا يضر بتنافسيتها في السوق التركية. فيما يرى الدكتور العلمي أنه يجب على الجانب السعودي التأكد من قيام تركيا باللجؤ للقواعد الحسابية النظامية للتوصل إلى القناعة اللازمة لإثبات حالات الإغراق والضرر الجسيم الناتج عنه قبل تطبيق الرسوم التعويضية لمكافحته. وعلينا في السعودية تقديم كافة المعلومات عن تكاليف إنتاج السلع المتهمة بالإغراق حتى لا تقوم تركيا باستخدام أفضل البيانات المتاحة لديها لإجراء تحقيقاتها. وهنالك إمكانية استخدام قاعدة «النزر اليسير» للتأكد من أن هامش أسعارنا في تركيا لا تزيد عن 2% كنسبة من سعر التصدير، وأن حجم صادراتنا من السلع البتروكيماوية المصدّرة لتركيا تقل عن 3% من جميع واردات تركيا من السلع المماثلة. من جهته قال المحامي عبد الحكيم الخرجي عضو المحكمين السعوديين يجب أن تكون هناك علاقة سببية بين الإغراق والضرر أي أن الضرر الناتج للصناعة المحلية ناتج من عملية الإغراق وألاَّ يكون الضرر ضئيلاً، ومعني ذلك ألاَّ يقل عن 2% من سعر المنتج، أو إذا كانت الكمية المستوردة من دولة متهمة بالإغراق تقل عن 3% من الواردات الكلية للمنتج . حلول حاسمة ومبكرة وأضاف الخرجي: لقد حددت اتفاقية مكافحة الإغراق مفهومه ومتى يمكن القول بوجوده وكيفية تحديد مقدار الضرر الناتج عنه. فكان على الجانب السعودي أن يضع الحلول الحاسمة على رسوم الإغراق من وقت فرضها على بعض المنتجات السعودية من قبل الهند والصين في بداية الأمر، ومع ذلك فإنه يجب التباحث الودي مع الجانب التركي والمناقشة والتفاوض على إلغاء تلك الرسوم أو حتى تخفيضها للوصول إلى حل يرضي الطرفين، مع حفظ حقوق الشركات السعودية المصدرة. وهذا ما أتى بنتائج مثمرة مع الجانب الصيني من تخفيض رسوم حمائية على منتج بتروكيماوي سعودي، وتم ذلك بعد أن ثبت عدم تسبب المنتج بضرر على المنتجات المحلية الصينية، وأنه لا يباع بأقل من تكلفته. وأوضح الخرجي بأن هناك العديد من المصالح بين المملكة وتركيا، وتبادل تجاري كبير يشكل في حد ذاته علاقة وطيدة تؤثر في عملية المباحثات الودية وتلعب كورقة ضغط على الجانب التركي لإلغاء تلك الرسوم أو حتى تخفيضها. ويرى الخرجي أنه يجب على المملكة القيام بإنشاء لجان داخل وزارة التجارة، تقوم بدراسة مثل هذه القضايا وتقديم الحلول لها لحماية الصناعة الوطنية، وأن تكون على قدر عالٍ من المهنية لإجراء الدراسات حسب ما هو متعارف عليه وفقاً للتجارة الدولية. وأشار الخرجي إلى أن منظمة التجارة العالمية نظمت اتفاقية مكافحة الإغراق في المادة 17 حالة ما إذا رأى أي عضو أن عضواً أو أعضاء آخرين يلغون أو يبطلون المنافع التي يوفرها له هذا الاتفاق وبشكل مباشر أو غير مباشر أو يعرقلون تحقيقه لأي غاية، جاز له من أجل التوصل إلى حل مرض لهذه المسألة أن يطلب كتابة التشاور مع هذا العضو أو الأعضاء، وعالجت المادة 17-4 حالة ما إذا رأى العضو الذي طلب التشاور أن المشاورات وفقاً للمادة 3 قد عجزت عن التوصل إلى حل مرضٍ للطرفين وإذا كانت السلطات الإدارية في البلد المستورد قد اتخذت إجراءً نهائياً بفرض رسوم مكافحة إغراق نهائية أو بقبول تعهدات سعرية جاز له أن يحيل المسألة إلى هيئة تسوية المنازعات حين يكون لتدبير مؤقت تأثير كبير، وحين يرى أن التدبير قد اتخذ على خلاف أحكام الفقرة 1 من المادة 7 وتقوم تسوية هيئة المنازعات بناء على طلب الشاكي بإنشاء فريق لبحث المسألة.