لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورا حيويا في صناعة الأحداث الأخيرة ومن أهمها الثورات التي اندلعت مؤخرا وغيرت خارطة الشرق الأوسط، بل وغيرت استراتيجيات دول كبرى وأحبطت مخططات كانت تحاك وتدبر. الفيس بوك والتويتر صنعا الحدث، في ميدان الساسة ووحدوا رؤى الثوار وجمعا كلمتهم في اتجاه واحد، وهما الآن يقودان ثورة طبية تساند "الخلايا الجذعية" ضد جشع كبريات شركات الأدوية. استشاريون وأطباء خصصوا صفحاتهم على شبكات التواصل الاجتماعي للتعريف بالعلاج الجذعي والدعوة للتشافي به، انطلاقا من واجبهم الإنساني وما تحتمه عليهم أمانتهم العلمية أملا في تخفيف أو إنهاء معاناة المرضى خصوصا المصابين بأمراض مزمنة. هي تجربة تستحق أن تروى لأن نتائجها بدأت تؤتي ثمارها، رغم أن بدايتها من خلال البحث جاءت عن طريق الفيس بوك المتاح للجميع للحصول على علاج أفضل من المتوفر عالميا، والذي لم يُجد نفعا للتخفيف من معاناة قريبتي مريضة سكري تذبل أمامي ولم يستطع العلم أن يفعل لها شيئا، نعم الأمر بيد الله لكن لا مانع من التسبب لإعادة النضارة لها مجددا. مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة من حسنات التعامل مع التكنولوجيا أن ترى من يوظفها في الخير، فقلما تجد مثل رجل الأعمال المهتم في الخلايا الجذعية الجنينية الدكتور عبدالباري باني الغامدي متفاعلاً مع صفحته ويتواصل مع الجميع. كانت البداية في أواخر مارس الماضي عندما راسلته واستفسرت منه حول كتابته عن مستقبل العلاج بالجينات، وكيف أن بعض الأطباء وشركات الأدوية يخفون هذا السر الذي بلا شك إن استمرت الأبحاث والتجارب فسيكون فتحا جديدا خصوصا للأمراض المستعصية. سألت الغامدي عن إمكانية علاج قريبتي التي تعاني منذ عقد من الزمن من داء السكري سجلت نسبته 400 درجة بعد وجبة الإفطار رغم التزامها بالحمية في مركز أبحاث شركة الهندسة الحيوية المحدودة "تشونغكه" فطلب تقريرا طبيا وافيا، تم إرسال التقرير وفي غضون 24 ساعة كانت الإجابة ب"نعم"، جاء وقع الإجابة عليَّ بين مصدق وغير مصدق، وتضمن رد الدكتور الغامدي أن تكلفة العلاج 12500 دولار للإبرة الواحدة، وأن الحالة تحتاج إلى 4 حقن إحداهن في البنكرياس. الرحلة على أرض الواقع عندها لم يكن هناك أي خيار وتم الترتيب للرحلة، والانطلاق من أبها إلى دبي مباشرة، ثم إلى العاصمة الصينية بكين ومنها إلى شمال شرق الصين حيث المدينة المقصد تشانغتشون وتعني في اللغة الصينية "الربيع الطويل" وهي أكبر مدينة في مقاطعة جيلين الواقعة شمال شرق جمهورية الصين الشعبية، وعدد سكانها نحو 7.5 ملايين. في الأول من أبريل المنصرم وفي ساعة مبكرة وصلت إلى هذه المدينة فُتح باب الطائرة، فإذا بموجة برد لم نعتدها تلف المكان وتحوله إلى صقيع، كاد الدم يتجمد في عروقي أنا ومرافقتي، استعنا بمعاطف جلبناها من العاصمة بكين، فخففت من المعاناة التي أزالتها التدفئة في سيارات الأجرة والمواصلات العامة، والفنادق والأسواق. كانت قريبتي تأخذ الحقن الوريدية لعلاج السكري، وقد تعاطفت معنا إدارة مركز "تشونغكه" فأخذت منها 3 حقن بواقع 80 مليون خلية في الوريد على مدى ثلاثة أسابيع ونحن في الفندق الذي كنا ننزل فيه، إذ أرسلوا طبيبة وممرضة لعملية الحقن التي لم تكن إلا أشبه بحقنة وريدية عادية تأخذ من الزمن أقل من نصف ساعة، وفي مستشفى المقاطعة، نومت ليلة واحدة تم خلالها إجراء عملية منظار بسيطة وصولا إلى البنكرياس حيث حقنوه بالخلايا الجذعية الجنينية وبحد أقصى 25 مليون خلية، وبهذا يصبح عدد الحقن 4، إثر ذلك أبلغنا بإمكانية العودة إلى أرض الوطن، واتباع برنامج غذائي يتكون من 3 وجبات رئيسية عبارة عن نصف رغيف بُر مع سلطة خضار وقطعة جبنة خفيفة، إضافة إلى بيضة وخضار مسلوقة مع الابتعاد عن الأرز والتمر والمعكرونة إلا بكميات خفيفة جدا ولمرة واحدة في الأسبوع، وبعد الأسبوع الأول نصح مدير الشؤون الصحية المساعد للتخطيط والدراسات بمحافظة جدة أحد المهتمين في هذا الشأن الطبيب الجراح الدكتور أسامة عبيد ظفر الذي التقيت به هناك بتخفيض كمية علاج السكري بواقع 75% مع الاستمرار في البرنامج الغذائي، وسجلت خلال مايو الماضي نتائج التحاليل اليومية أرقاما لم نعتدها من قبل إذ سجلت في متوسطها 110 قبل الإفطار وبعده 150 درجة وفق جهاز اختبار السكر المنزلي. العلاج بالجينات يقول رئيس مجلس إدارة مختبر وبنك الخلايا في تشانغتشون "لو": العلاج بالجينات يتم عن طريق إيقاف عمل الجين التالف وإدخال جين آخر سليم، ومعه يتم منع الجين المتضرر من إفراز البروتين، وذلك بإدخال قطع من DNA لا تحمل أي معلومات وراثية لتتحد مع الجين التالف وتمنع عملية إنتاج البروتين، ولمعالجة المرض يتم إدخال جين سليم وتتم بطريقتين داخلية للعضو المراد معالجته أو بحقن عادية في الوريد". ويضيف "لو" بقوله: مختبر وبنك الخلايا الجذعية الجنينية أنشئ بشكله الحالي عام 2007 وكان قبل ذلك يعمل منذ 2002 على الأبحاث في هذا المجال، والمختبر مستقل بذاته، ويعمل تحت مظلة الحكومة الصينية ووزارة الصحة تشرف عليه، والعلاج بالخلايا الجذعية وهو نتاج أبحاث سنوات ودراسات طبية وعلمية منذ سنوات طويلة جاوزت العشر سنوات وما زالت مستمرة وتتطور باستمرار". وتابع رئيس مجلس إدارة مختبر وبنك الخلايا في تشانغتشون "العلاج بالخلايا الجذعية عدة أنواع، أهمها الخلايا الجذعية الجينية، ويتم استخلاصها من الأجنة (المهجنة) بعد الأسبوع الثاني من الحمل وحتى الأسبوع العاشر منه وهي آمنه 100%"، والآخر "خلايا جذعية تستخلص من الحبل السُري للجنين المكتمل النمو، وهناك خلايا جذعية بالغة يتم استنساخها والعلاج بها، وخلايا جذعية تستخلص من العظام (مركز تصنيع الدم في الإنسان) وتستخدم في علاج أمراض الدم وهنا الأخيرة معروفة على مستوى العالم وتستخدم من المريض نفسه لعلاج مرضه، وجميع تلك الخلايا المذكورة سابقا تعالج أمراضا متعددة مثل السكر والأمراض العصبية وإصابات الحبل الشوكي وبعض الأورام وتستخدم لتحسين الصحة العامة وهي أنواع متعددة وكثيرة والآمن منها، النوع الأول وبقية الأنواع مع أنها تعالج الأمراض إلا أنها قد تحدث بعض المضاعفات". زراعات السكري والتقت "الوطن" بمنسق علاج الأجانب في المركز، جيمس زهانج الذي قال "يحتاج علاج مريض السكري من زراعتين وتصل إلى 4 زراعات حسب الحالة وعمر المريض، وجنسه ذكرا أم أنثى، وحول نتائج التعافي قال "تتفاوت النسبة فيها حسب المرض وحسب التزام المريض بالتعليمات ولكنها في جميع الأحوال إيجابية وبنسب مختلفة، والمرضى الذين تعالجوا بالخلايا الجذعية لأمراض كثيرة كثيرون جدا ومن دول عده من العالم منها "المملكة"، وتابع كما أن تكلفة العلاج حسب المرض وحسب نوع الخلايا المستخدمة وهي تكلفة واحدة لأي مريض دون النظر للجنسية في إشارة منه إلى أن تكلفة العلاج واحد سواء للصينيين أو غيرهم "، واستدرك جيمس حديثه بالقول "إن التكلفة لا تعتبر مرتفعة مقابل التقنية العالية المستخدمة في المختبر والفترات الطويلة التي تمر في مراحل استخلاص وتحضير الخلايا الجذعية ثم فحصها جينيا والتأكد من خلوها من الفيروسات والبكتيريا وغير ذلك". تحذير من المراكز غير المرخصة وحذر منسق علاج الأجانب في مركز أبحاث شركة الهندسة الحيوية المحدودة "تشونغكه" من الانجراف خلف المواقع الإلكترونية التي تروج للعلاج الجذعي، بقوله "تقنيه العلاج بالخلايا الجذعية قائم ويجري تطويره باستمرار وهو مجال مفتوح للباحثين المتخصصين من الأطباء والدارسين في مجالات طبية متعددة وتحتاج لفرق عمل متخصصة، وهناك العديد من مراكز البحث ومراكز العلاج بالخلايا الجذعية في الصين ولكنها ليست جميعها مرخصة بشكل كامل أو نهائي، كما أنه يوجد المئات من المواقع الإلكترونية ويجب الحذر منها فلا يمكن لغير المتخصصين فهم الموضوع كموضوع طبي وعلمي من خلال مواقع معظمها دعائية". توصية سعودية وتحفظ صيني التقيت خلال الرحلة العلاجية وتحديدا في مقاطعة جيلين الصينية بمدير الشؤون الصحية المساعد للتخطيط والدراسات بمحافظة جدة أحد المهتمين في هذا الشأن الطبيب الجراح الدكتور أسامة عبيد ظفر فأشار إلى أن علاقته بمختبر وبنك الخلايا الجذعية بدأت منذ فتره طويلة، ولديه اهتماماته الخاصة بالعلاج بالخلايا الجذعية وما زال يشارك مع المركز في الأبحاث والدراسات والتطوير من عام 2009. وقال "هناك تحفظ شديد لدى الصينيين في نشر دراساتهم وأبحاثهم رغم أنهم وصلوا إلى مرحلة التطبيق العلاجي في السنوات الأربع الأخيرة، ولهم وجهة نظر أحترمها وهذا حقهم"، مضيفا "الأبحاث ما زالت قائمة وجارية على المستوى العلمي، وحاليا على المستوى الإكلينيكي ويتم تطويرها باستمرار، والحاجة ماسة للاستمرار في تطوير الدراسات والأبحاث والتطبيقات وتحتاج إلى تشريع". تفاوت الشفاء ويؤكد الدكتور أسامة معرفته بالكثير من المرضى الذين عولجوا من أمراض مختلفة بالخلايا الجذعية، وقال "هناك نسب متفاوتة من نتائج العلاج ولكنها بشكل عام مشجعة"، محذرا في الوقت نفسه من اجتهادات كثيرة من غير المتخصصين، وأنه يجب عدم الاستماع للتحليلات والاجتهادات من غير ذوي العلم في هذا المجال فالموضوع معقد والباحثون والدارسون من المتخصصين في جميع أنحاء العالم هم المخولون فقط بالحديث عن هذا الأمر أما شرح الموضوع وتبسيطه بالمفهوم الشخصي فلا مجال له في هذا الأمر وسواه من أمور علمية طبية بحتة. وشدد الدكتور ظفر على أن العلاج بهذه التقنية الجديدة هو فتح جديد ويأمل أن ينظر إليه في علاج الأمراض المستعصية خاصة والأمراض الأخرى عامة، وقال "أنا كطبيب سعودي أوصي من يرغب بالعلاج بالخلايا الجذعية بالتوجه إلى مركز تشونغكه الذي يعمل تحت مظلة مرخصة وقانونية من الحكومة". طبيبة مشلولة يقول الدكتور ظفر "شقيقتي الدكتورة خديجة أصيبت بشلل إثر حادث سير على طريق مكةجدة إثر عودتها من مقر عملها في مكةالمكرمة باتجاه مقر سكنها بجدة"، ويضيف "الطبيبة التي لم يمض على تخرجها في جامعة الملك عبدالعزيز 3 أشهر أصيبت جراء الحادث في الفقرة العنقية السادسة بالعمود الفقري وفقدت الحركة والإحساس في كامل أطرافها بالكامل كان ذلك قبل 24 شهرا، وقد أجريت لها جراحة عاجلة بمستشفى النور التخصصي بمكةالمكرمة عقب الحادث لتثبيت الكسر بالفقرة، ونظرا لخطورة وصعوبة الحالة تم نقلها عقب إصابتها إلى الصين لإعطائها فرصة العلاج بزراعة الخلايا الجذعية العصبية الجنينية وبعد عدة زراعات عادت إلى أرض الوطن عقب رحلة علاجية استمرت أكثر من شهرين، حيث بدأت التأهيل الطبي والعلاج الطبيعي، وبدأت حالتها تستقر وتتحسن بشكل تدريجي ونسبي عقب ذلك، والآن وبعد مرور سنة على الزراعة الأولى فهي تحتاج إلى زراعات أخرى حسب الخطة العلاجية الموضوعة لها مسبقا، وعادة ما يحتاج المرضى بأمراض صعبة إلى عدة زراعات حسب تلك الحالات، برنامج الزراعة الذي يتم حاليا سيستمر نحو الشهر"، وبدأ الدكتور ظفر متفائلا من نجاح الزراعات وأن شقيقته ستعود بعد أن يتم الله عليها تمام الشفاء لممارسة عملها وخدمة وطنها وأبنائه".