وقف المجتمع الدولي على قدميه، مدينا على جريمة إسرائيل "البشعة"، التي استهدفت "أسطول الحرية"، حيث حولت إسرائيل مضامينه "الإنسانية" إلى مجزرة راح ضحيتها عدد من الشهداء، من محبي الأمن والسلام، وعدد كبير من المصابين، وأبطلت إسرائيل بعملها "الهمجي" جهود هذا الأسطول، الرامية إلى فك الحصار عن قطاع غزة. وفي نفس الوقت خسرت إسرائيل، ثقة قطاع واسع من المجتمع الدولي، وفقدت احترامه له، فقد أدان مجلس الأمن "العنف" الإسرائيلي ضد "أسطول الحرية"، وطاقمه، مطالبا بلجنة تحقيق محايدة، كما طالبت روسيا والاتحاد الأوروبي، بفتح كافة المعابر البرية إلى قطاع غزة المحاصر، هذا فضلا عن مواقف التنديد والإدانة العربية، والوقفات والمسيرات الاحتجاجية، التي خرجت في مناطق مختلفة من العالم. جامعة الدول العربية التي تحركت تزامنا مع تحركات مجلس الأمن، بحثا عن طوق نجاة لاجتماعات الجامعة، لعل صوتها يكون مسموعا هذه المرة، ولعل مكافحتها ومنافحتها عن قضية العرب الكبرى "فلسطين"، تجد صدى على الساحة العربية، بعد أن ضاعت قرارات الجامعة في دهاليز "الشجب والاستنكار". يأس المواطن العربي أدار المواطن العربي ظهره للقمم العربية، التي تعقدها "جامعة الدول العربية"، ونسي أو تناسى انعقادها سنويا، لا لشيء، وإنما لأن القرارات التي تخلفها القمم العربية، لم تأتِ بثمارها المرجوة، كما يريد هذا المواطن ويرغب!. المواطن العربي الذي تابع أول قمة عربية "قمة أنشاص" في 28-29/5/1946، بدأ يسير برجل ثالثة " عكاز"، وبدأ يتابع تجاعيد وجهه، وما خلفته عوامل تعرية السنين، أكثر من متابعته للقمم المتتالية، وآخرها قمة "سرت" في ليبيا، في مارس الماضي. "..قلبا واحدا!" يقول قادة العرب وطدنا العزم على التشاور والتعاون والعمل قلبا واحدا ويدا واحدة، من أجل كل ما فيه خير بلادنا، وبلاد العرب جميعا، ولا سيما المحافظة على حقوق الشعوب العربية كافة، والدفاع عن حرياتها واستقلالها، بكل الوسائل الممكنة، وذلك عملا بمنطوق ميثاق الأممالمتحدة. ورغبة في أن يسود السلم المؤسس على العدل بين الشعوب كافة. عندما يسمع شاب يافع هذه القاعدة للقادة العرب، يشعر بالفخر وقوة الانتماء لعروبته، وعندما يذهب لمسن في طرف حقله الزراعي، في أطراف الوطن العربي الممتد من المحيط إلى الخليج، ويتجاذب معه الحديث حول هذه القاعدة العربية "الذهبية"، سيصاب بالإحباط، وعليه أن يلملم وجهه، ويفتش على أرفف القضايا العربية، ولكنه لن يجد حلاً!. قضية فلسطين قضية فلسطين قلب القضايا العربية، ومصيرها مرتبط بمصير الدول المنضوية تحت لواء "الجامعة العربية"، فهل قفزنا على سور القضية، وتركنا قضايا الداخل، وبالتالي لن يأتي الحل؟. البعض يجيب ب"نعم"، معتبرا أن العرب يقفزون على واقعهم، ويركزون على القضية الأم، وهم يعلمون أن أدوات الوصول لحل هذه القضية، غير متوفرة لديهم. هم يضعون حلولا للقضية الفلسطينية، ويتجاهلون مسافة التنمية الشاسعة، التي تفصلهم عن تحقيق خطوة واحدة للأمام، حتى وإن طرقت آذانهم أسئلة الشارع العربي المختصرة في نقطتين، لا ثالث لهما: هل جاءت قرارات قمة "سرت" السابقة –مثلا- في مستوى الشعار الذي رفعته، بدعم صمود القدس وحمايتها من التهويد؟ ولماذا رحل المجتمعون نقاط مهمة، لاجتماعات لاحقة؟ ظاهرة "صوتية"! 64 عاما والعرب ك"ظاهرة صوتية"، يقذفون الآخر بالعبارات العدائية، ولا يبحثون عن طرق مجاراته، لكي نكون معه على صف واحد، لذا اتسعت المسافة بيننا وبين الآخر، وفي كل نقطة حوارية معه يكسب أي شيء ونخسر كل شيء. في القمة العربية الثانية التي عقدت في 13-14/11/1956 في العاصمة اللبنانية بيروت، تعرضت مصر وقطاع غزة للعدوان الثلاثي من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. جمع العرب كل ما لديهم من شجب واستنكار، وأرسلوه للأمم المتحدة، مغلف بمعاهدة 1888، والمبادئ الستة إلى أقرها مجلس الأمن، حيث أتى بعدها مؤتمر القمة العربي الأول القاهرة 13-17/1/1964، ليعلنوا عدالة القضية الفلسطينية! العرب بعد كل هذه المدة اكتشفوا عدالة القضية الفلسطينية، لكن الأجمل في هذه القمة إجماع الملوك والرؤساء العرب على إنهاء الخلافات، وتصفية الجو العربي من جميع الشوائب، وإيقاف جميع حملات أجهزة الإعلام، وإنشاء قيادة عربية موحدة للجيوش العربية فورا. قرارات مرحلة لو عدنا بالقارئ قليلا إلى الوراء، إلى قمة "سرت" الأخيرة، وحاولنا أن نغض الطرف، وألا نسأل عن نتاج هذه القمة، ومدى ملاءمتها للشعارات المعتادة لدعم صمود القدس وحمايتها من التهويد، ولن نسأل عن ترحيل البت في العديد من الملفات الرئيسية إلى القمة الاستثنائية المقبلة، لأنها ستضاف لملفات سابقة وإنما نسأل عن وضع فلسطين كوطن عربي وقت القمة العربية وما يتعرض له من اشتباكات عربية – عربية، وكأنها رسائل مشفرة للقادة العرب المجتمعين في سرت الليبية، وتصل الأوضاع العربية ذروتها، والمسؤولون يستمعون لوزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، وهو يقول إن جنوده لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام أي تصعيد "حمساوي" جديد. وكانت ردة الفعل العربي بيان ختامي من ضمن مئات البيانات السابقة، وهذا أقصى ما يمكن فعله بالنسبة للعرب. اللوحة الوحيدة التي أفرزتها سريالية "سرت"، هي إجبار المواطن العربي على تجاوز بكائياته السنوية الماضية، والانتقال إلى تصفح النقد الذاتي للمجموعة العربية، ولأول مرة باعترافات قوية بعدم القيام بإنجازات كافية، ومع المواطن العربي كل الحق إذا استمتع بهذا الجلد للذات من القادة أنفسهم، ولكن الوجوه الشاحبة تراجعت عن هذا التفاؤل، لأن هذا المشهد سبق أن تلذذوا به في قمم سابقة بنفس الآلية، وأهمها القمة التي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق، وما صاحب ذلك من إطلاق سبع مبادرات في ذلك الوقت، لترميم وإصلاح الوضع العربي، بل شعر المواطن العربي ولأول مرة بنية الاتجاه للإصلاح الداخلي. هذا التوجه انحسر قبل أن يجف حبر المبادرات السبع. صندوق أسرار الجامعة يعتبر رئيس مكتب أمين عام الجامعة العربية، السفير هشام يوسف، "صندوق الأسرار" لجامعة الدول العربية، وهو أهم رجل يعتمد عليه أمين الجامعة عمرو موسى. التقيت به في أول زيارة للجامعة قبل برهة من الزمن، وتحدثت معه بعقلية المواطن العربي، لا بعقلية الصحفي البسيط، وطرحت عليه أسئلة متناثرة، وكان الحديث من طرف هشام يوسف، جادا وفق منصبه، ووفق شخصيته الاعتبارية، ومن طرفي أقرب لليأس، وهو نفس الشعور عند أغلب المواطنين العرب. هشام يوسف بجديته الواضحة على معالم وجهه، قال "هون عليك فالجامعة صرح شامخ، ولدت لتكون نبراس حرية ولم شمل للعرب"، وقال" تتكون جامعة الدول العربية من ثلاثة فروع رئيسية، أنشئت بمقتضى نصوص الميثاق، هي مجلس الجامعة واللجان الدائمة، والأمانة العامة". واسترسل قائلا "أتمت الجامعة العربية خمسة وخمسين عاماً بنهاية الألفية الثانية، واتسعت عضويتها من سبع دول عربية في بداية التأسيس، لتصبح تضم حاليا اثنتين وعشرين دولة عربية"، قاطعته قائلا، إن المواطن العربي يريد شيئا على أرض الواقع، فماذا خرجنا به من كل القمم السابقة، ومن كل الاجتماعات الاستثنائية؟، أجابني قائلا "كل قرارات القمم العربية تحولها الجامعة بكل مفوضيها الرسميين، وهم بمرتبة وزراء، وبكل لجانها المتخصصة، في كل مجالات الشأن العربي، إلى ورش عمل ودراسات ومباحثات، وجهود الجامعة لا تتوقف، مهما كانت المعوقات". التاريخ يعيد نفسه! تذكرت أثناء حديث هشام يوسف ما جاء في خطاب وزير خارجية بريطانيا، أنتوني إيدن، الذي ألقاه 29/5/1941، وقال فيه "إن العالم العربي قد خطا خطوات عظيمة، منذ التسوية التي تمت عقب الحرب العالمية الماضية"، ويرجو من مفكري العرب للشعوب العربية "درجة من درجات الوحدة، أكبر مما تتمتع به الآن"، مضيفا "إن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا في مساعيهم نحو هذا الهدف، ولا ينبغي أن نغفل الرد على هذا الطلب من جانب أصدقائنا، ويبدو أنه من الطبيعي ومن الحق وجود تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية، وكذلك الروابط السياسية أيضاً". هذه اللغة التي تحدث بها وزير خارجية بريطاني قبل حوالي سبعين عاما أتت بصورة أخرى وبنفس نظرية ابن خلدون" التاريخ يعيد نفسه"، عندما أتى للمنطقة العربية السيد باراك أوباما، رئيس أكبر دولة في العالم حاليا، وداعب مشاعرنا بكلمات "خطابية فضفاضة" تراقصنا لها طربا، ولم تتوقف بعد طبول راقصاتنا، نشوة بهذه الوعود التي لم تأت ولن تأتي. أسئلة عالقة تركت السفير هشام يوسف، بعد حديث طويل، وبعد أن سرد بنودا من ميثاق جامعة الدول العربية، والمبادئ التي اشتمل عليها، والخطوات التطويرية للجامعة، وغادرت الجامعة العربية وأنا أحمل ألف سؤال وسؤال، عن المجال الاقتصادي والتعليمي والبنى التحتية، وفي قرارة نفسي أتساءل متى نوحد صفوفنا كعرب بعملة عربية نقدية، ومتى نتنقل بجواز موحد من المحيط إلى الخليج، ومتى نربط عواصمنا بشبكة قطارات، ومتى نفتتح سوقا عربيا حرا، ومتى نفتح ملفاتنا الداخلية لمعالجة البطالة والفقر والفساد الإداري، إذا فعلنا ذلك استطعنا بعدها التفرغ للقضية الفلسطينية الكبرى، وبدون حل مشاكل الداخل لا نستطيع حل مشاكل الخارج، لأننا ضعفاء. برلمان العرب بحت أصوات العرب في القمم الكبرى، فاختاروا وسيلة أخرى تخفف عليهم، فكان "البرلمان العربي"، الذي أنشئ بقرار من مجلس جامعة الدول العربية في قمة الجزائر، التي عقدت في شهر مارس عام 2005، على أن تكون مدته خمس سنوات، كمرحلة انتقالية، نحو قيام برلمان عربي دائم، يكون مقره دمشق، كهيئة مستقلة وكجهاز من أجهزتها الرئيسية، ويحدد نظاما أساسيا، يقوم بإعداده برلمان انتقالي مدته خمس سنوات، تشكيله وطريقة انتخاب أعضائه واختصاصاته كما يحدد نظام داخلي إجراءات عمله. رغبة في تطوير وتحديث مؤسسات وأجهزة الجامعة، وإدراكا لأهمية مبدأ الشورى وتوسيع المشاركة الشعبية كأساس للتطور الديموقراطي،وإيمانا بتطلعات الشعوب العربية نحو توثيق الروابط التي تجمع بينها، وإسهاما في إقامة نظام عربي يحقق أماني الأمة العربية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية واحترام القانون وتعزيز حقوق الإنسان، وصولاً إلى تحقيق الوحدة العربية الشاملة، وتجاوبا مع رغبة الشعوب العربية ومؤسساتها التمثيلية في إنشاء البرلمان العربي بما يخدم مصالحها ويعزز تضامنها!. من يقرأ هذه المقدمة عن "برلمان العرب" ويضيف عليها مرور خمس سنوات منذ إنشاء البرلمان، ستقفز أمام عينيه نفس الأسئلة الحائرة السابقة. فالمواطن العربي يبحث عن حلول لمشاكله الداخلية، ويبحث عن برلمان يصدر فرمانات لا استشارات ودراسات مصيرها الأرفف.