لا يختلف اثنان على ما للقضاء من أهمية في حياة الناس وهو إحدى سلطات الدولة الثلاث ولذا فالقضاء مبني على محاور منها: مادته القضائية وتنظيماته التشريعية، والبيئة القضائية، فالأولى لا غبار عليها وهي مكتملة وواضحة لأنها مستمدة من الكتاب والسنة ومن اجتهادات العلماء واستنباطاتهم لبعض نصوصهما بما لا يخرج عن مرادهما ولدينا فطاحلة علماء قد بينوا ولم يلتبس الأمر من هذه الناحية ولكن تبقى الثانية والثالثة ما زال يكتنفهما بعض القصور وهما البيئة القضائية التي هي مكان التقاضي وما يحتويه هذا المكان من مميزات قد تكون إيجابية فتخدم القاضي وتهيئ له الأرضية المطلوبة والراحة المنشودة ليكمل استعداده الذهني والتقبل النفسي ويكون مستعداً ومتهيئاً ومما يلاحظ أن البيئة القضائية مازالت غير مكتملة فالتصميم العام للمبنى وتقسيماته من الداخل ومساحة الغرف وتوزيعها على تقسيمات تضمن تناسقها مع ملحقياتها من مكاتب القضاة ومعاونيهم وكتابهم ومنسقي أعمالهم مع الأخذ بعين الاعتبار مساحة المكتب القضائي واختيار الأثاث المناسب ويراعى أن يكون بداخله مكتب خاص للجلسات السرية مثل القضايا الاجتماعية كالطلاق والخلع والأمور الأسرية التي تتطلب سرية في التعامل معها وتجهز بكل ما يحتاج إليه ليضمن جوا مريحا للقاضي والمتقاضين كذلك يجب الأخذ بالحسبان تهيئة قاعة اجتماعات كبيرة لعقد اللقاءات التشاورية ولعقد بعض الجلسات التي يتطلب نظرها لأكثر من قاض وتكون كذلك معدة لبعض الجلسات العلنية التي قد يحتاج إليها وإلحاق مكتبة بأحد أركانها يتوفر فيها كل ما يحتاجه القاضي من كتب تعينه على البحث وتطور من أسلوبه وترتقي بمعلوماته وتمنحه جوا يساعده على النهوض بمجال عمله، ثم إن عملية اختيار القاضي مهمة جداً ويبدو أنه لم يراع هذا الجانب في الآونة الأخيرة حيث نرى قضايا متشابهة ومتماثلة ولها نفس الأسباب وفي ظروف زمنية متقاربة وبياناتها واضحة ومع هذا تتفاوت الأحكام بشكل متباين يضع علامات استفهام مقرونة بالتعجب ثم نقطة أخيرة ومهمة في نظري وهي الازدواجية التنظيمية في المحاكم الشرعية بين مجلس القضاء ووزارة العدل مما ينعكس سلباًً على إدارة المحكمة والقاضي الذي يتولى رئاستها فهذا له جهته التي تزوده بما يلزم وما تريده على واقع العمل والأخرى لها نظرتها ومرئياتها لتبقى نقطة زئبقية غير قابلة للاستقرار.