يتراوح اهتمام أجهزة الإعلام بخطر القنابل القذرة بين الاهتمام الشديد والهدوء التام. وقد عاد الاهتمام مؤخراً بالخطر الذي تشكله هذه القنابل على أمن وسلامة الدول بسبب عدة عوامل منها عودة الشائعات بأن أحد عناصر القاعدة البارزين، عدنان شكري جمعة، ربما يكون قد عاد إلى الولاياتالمتحدة وهو يخطط لتنفيذ هجوم ما، وكذلك تصريحات بعض مسؤولي الإدارة الأمريكية حول مخاطر قيام تنظيمات إرهابية باستخدام أسلحة دمار شامل. وقد نشر موقع "ستراتفور" في أواخر أبريل المنصرم تقريراً حول بعض المعلومات الخاطئة والمشوهة التي يتم تداولها حول مخاطر ما يسمى بالقنبلة القذرة. يقول خبراء ستراتفور إن المعلومات الخاطئة حول مخاطر القنبلة القذرة تنبع من مفاهيم خاطئة قديمة أو عن الجهل، بينما تأتي المعلومات المشوهة من بعض أصحاب المصالح الذين يبالغون في حجم المخاطر لأسباب مادية أو سياسية. فما هي حقيقة المخاطر التي يمثلها استخدام القنبلة القذرة؟ يُعرِّف موقع ستراتفور في بداية التقرير القنبلة القذرة بأنها جهاز يقوم بنشر النظائر الإشعاعية بشكل يعرض أكبر عدد ممكن من الناس للإشعاع. ولكي يتم تحقيق نتائج خطيرة حقيقية، يجب أن يتم التعرض لجرعة كبيرة جداً من الأشعة خلال فترة قصيرة، أو لجرعات قليلة لفترة طويلة من الزمن. لكن استخدام التفجير لنشر النظائر المشعة فوق منطقة كبيرة ينبه الضحايا المستهدفين الذين يستطيعون عند ذلك إخلاء المنطقة المتضررة فوراً وإزالة آثار التلوث. هذه العوامل تجعل من الصعب على أي مهاجم استخدام جرعات قاتلة من الأشعة من خلال القنبلة القذرة. هذا لا يعني طبعاً أن التعرض للأشعة ليس خطراً، لكن فكرة أن التعرض لكمية قليلة من الأشعة، وهو أمر يتعرض له الناس خلال رحلات الطيران وتسلق الجبال، يسبب أضراراً خطيرة. النظائر المشعة التي يمكن استخدامها لتصنيع قنبلة قذرة شائعة ومنتشرة على نطاق واسع. حتى المواد التي يعتبرها الكثيرون الأكثر احتمالاً للاستخدام في صنع القنبلة القذرة، مثل الكوبالت-60 والسيزيوم-137، لها استخدامات طبية وتجارية وصناعية مشروعة. وتحذِّر منظمات، مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من أن هذه النظائر المشعة متوافرة لجميع دول العالم تقريباً، وليس من الصعب على أي تنظيم غير حكومي الحصول عليها. وبسبب سهولة الحصول على النظائر المشعة وسهولة تصنيع القنبلة القذرة، يستغرب كثير من المراقبين سبب عدم استخدام مثل هذا السلاح بشكل فعال حتى الآن من قبل الجماعات الإرهابية. لكن هناك قناعة بأن القنبلة القذرة ستستخدم بشكل فعال في وقت ما وفي مكان ما، فماذا يعني استخدامها من الناحية العملية؟ إذا لم تحتو القنبلة القذرة على كمية كبيرة من المواد المشعة القوية، فإن آثار استخدامها لن تكون مباشرة أو كبيرة. في الواقع، قد يكون عدد الناس الذين يقتلهم انفجار القنبلة أكبر من عدد الذين يموتون بسبب أثرها الإشعاعي. هذه الحاجة إلى كمية كبيرة من النظائر المشعة تشكل تحدياً من حيث القدرة على جمع كل هذه الكمية، وكذلك فإن حجم القنبلة سيكون كبيراً وغير عملي بحيث سيكون من الصعب إدخالها إلى المناطق المستهدفة مثل قطارات الأنفاق أو الملاعب الرياضية. من الناحية العملية، يعتمد تأثير القنبلة القذرة على كمية المادة المتفجرة المستخدمة ونوع وكمية المواد المشعة فيها. كذلك تلعب العوامل البيئية، مثل طبيعة الأرض وأحوال الطقس والكثافة السكانية، دوراً هاماً في تقرير آثار مثل هذا السلاح. ومع أن الآثار الإشعاعية للقنبلة القذرة قد لا تكون قاتلة في الحال، إلا أن أثر الإشعاعات المنبعثة عنها سيستمر لوقت طويل يصل إلى عشرات السنين، ما لم يتم تطهير المنطقة. لذا من الضروري إخلاء المنطقة الملوثة وعدم السماح للسكان بالعودة إليها إلى أن يتم تطهيرها بشكل كامل، وهو أمر قد يكون مكلفاً ويستغرق وقتاً طويلاً. لذلك يمكن اعتبار القنبلة القذرة نوعاً من الأسلحة الاقتصادية. وحيث إن التلوث الذي تسببه القنبلة القذرة يمكن أن يكون طويل المدى، فإن الجماعات الإرهابية ربما تفضل استخدامها ضد أهداف خارج بلادها، أي إنها ستعمل على مهاجمة أهداف داخل بريطانيا أو أمريكا بدلاً من مهاجمة سفارات هذين البلدين في دول هذه التنظيمات. وبما أن هذا النوع من الأسلحة لن يوقع على الأغلب ضحايا كثيرة فإنه قد يستخدم ضد أهداف رمزية ولإحداث أكبر قدر ممكن من الإرباك في موقع الهدف. لذلك ليس من المستبعد استخدام القنبلة القذرة لمهاجمة وول ستريت أو البنتاجون مثلاً. وفي النهاية يقول التقرير إن عدد الأشخاص الذين قد يقتلهم الارتباك الذي ينتج عن استخدام القنبلة القذرة قد يكون أكبر من عدد الذين تقتلهم القنبلة نفسها، وإن الناس الذين يفهمون حدود إمكانيات القنابل القذرة سيكونون أقل ارتباكا من غيرهم. كذلك ربما يكون من الأفضل أن يضع الناس خطط طوارئ لهم ولعائلاتهم يطبقونها في حال حدوث مثل هذا الهجوم، وهذا أمر ضروري بشكل خاص للناس الذين يعيشون قرب أهداف محتملة للقنابل القذرة.