كنت فتاة حالمة تنظر للعالم بمنظار من التفاؤل والرضا والثقة.. كنت متوكلة على الله ومصممة على النجاح، بالمقابل أتمتع بقدر من الواقعية, وكمية لا بأس بها من التشاؤم المحمود بحيث كنت أعلم أنه لن يكون بالأمر السهل, وأن الحياة لن تتردد في استخدام أي وسيلة حتى تمنعني من تحقيق ما أتمنى. وكم كنت مرحبة بهذا الشيء، خصوصا فيما اخترته ألا وهو دراسة الطب. وكنت أدرك أنها شاقة وتحتاج إلى كثير من الحفظ و المذاكرة، والأهم من ذلك الإرادة والتصميم على النجاح، ولكن لطالما قبلت التحدي ولم يكن لدي مانع، بل على العكس كنت سأتلذذ بمرارة التعب والسهر في سبيل الطب، وكان لدي فضول للانغماس في عوالمه وكنت أدرب نفسي على مصارعة الضغوط والفشل والنظر دائما للنواحي الإيجابية حتى أحقق حلمي بأن أصبح طبيبة نفسية، ولكن لم أدرك بأني سأشهد اغتيال أحلامي مبكرا. أقسم إني أختنق حتى مشاعري وأنا أكتب متضاربة ما بين حنين لحلم تلاشى وما بين مواساة لنفسي وشفقة عليها وما بين تأنيبها على سذاجتها واعتبارها للأمر مسلما به، حيث كنت وكنوع من التشجيع أتمتم مع نفسي كل فترة وأخرى بالأسباب التي ستجعلهم يقبلونني في كلية الطب وبلا تردد ، كنت أشعر بأن الظروف والمواقف تتحد وتزيد من شغفي بالطب، ويستمر الحوار الداخلي: (التفوق والتميز ليسا غريبين عني فأنا ومنذ نعومة أظفاري وكما نقول بلهجتنا العامية (شاطرة) فقد حصلت على جائزة المدينةالمنورة للتفوق والنبوغ العلمي مرتين في المرحلة الابتدائية والمتوسطة ولطالما توقع لي الكثير مستقبلا باهرا). وعندما تزداد جرعة التفكير والقلق من المستقبل المبهم كانت حواراتي الذاتية تستمر وتخفف عني بقول: (إن شاء الله سأدخل كلية الطب، فأنا بالنسبة لها وإلى أعضائها, تلك البذرة المثالية التي سيرعونها ويولونها اهتمامهم ويتعب عليها, حتى أصبح شجرة مثمرة فيحصد ذلك التعب والكد عندما أؤتي ثمري وأسد جوع مجتمعي وذلك بعلاجه والتخفيف عن آلامه). فأنا متخرجة من المرحلة الثانوية ب 99.66 % مع العلم أني من دارسي النظام المطور، حيث كان المعدل تراكميا منذ الصف الأول الثانوي وليس من الثاني كالثانوية العامة وهذا يعني أن الجهد والضغط كانا موجودين منذ وطئت قدماي المرحلة الثانوية. وبالنسبة للقدرات العامة فقد حصلت على 85 وبذلك وتبعا للمركز الوطني للقياس موقعي بين الطلبة الذين دخلوا الاختبار هو: أعلى 5% من الطلبة وبالنسبة لمعدل السنة التحضيرية فبمعدل هو: 4.57 أي ممتاز, ناهيك عن أن طلابا بنفس معدلي بل وأقل حصلوا على مقعد في الطب، حيث إن القبول لدى الطلاب توقف عند 4.30 وبذلك ليس بوسع أحد أن يتهمني بالتقصير وعدم الاجتهاد أو حتى بعدم استحقاقي لذلك، وأخيرا مستوى لغتي الإنجليزية الممتاز والتي تعتمد عليها دراسة الطب اعتمادا كليا، حيث حصلت على A+ ما يعادل 100 في مادة اللغة الإنجليزية للسنة التحضيرية. فالخلاصة إذن: حصولي على معدل 4.57 والذي يصنف بالامتياز بدلا من معدل 5 أو فوق 4.70 الذي احترت في تصنيفه حقا، لأنه في كثير من الجامعات وحتى أمد قريب كان (معدلا خارقا), أنا أريد إجابة عن تساؤلاتي التي لا أجد لها إجابة تنصفني أو حتى تخرسني ! أناشدك.. افهمني أرجوك بقانون و منطق العقل ! بأي ذنب تتلاشى وتوأد أحلامي؟ هل يستحق قلبي ذا ال 19 ربيعا خيبة الأمل هذه التي اخترقته ومنها تشبّع؟ هل أستحق أن أجبر على التخلي والتنازل عن الروب الأبيض فقط لمجرد وجودي ضمن دفعة متفوقة؟