قال خبير متخصص في التراث العمراني والعولمة الاقتصادية إن بعض المدن العربية نتيجة للشد والجذب في مسألة التراث والحداثة, شهدت في العقدين الأخيرين نزعة نحو "نبذ" التراث والجري وراء الحداثة والتغريب الثقافي, فضلاً عن المشكلات التي تفاقمت بأبعادها الديموغرافية والبيئية. وبين الدكتور وليد أحمد السيد في محاضرته "أطروحة في حماية التراث العمراني والمجتمع والعمالة المحلية في المدينة العربية"، مساء الثلاثاء بالأحساء أن التحول التدريجي نحو "الحضرية" بشكل لافت خلال الثلاثة عقود الماضية، في مقابل الريف الآخذ بالتناقص يوما بعد يوم بفعل الهجرات من أبرز الظواهر التي تكرسها أضواء المدينة المعاصرة. وشدد السيد على أن العولمة هي عدو فريد للتراث، كما أن الاستشراق هو العدو التقليدي للتراث, فخطر الاستشراق سابقا كان يتمثل في تقديم التراث ككائن "منقرض"، ينبغي تحنيطه في المتحف وتوثيقه كجزء من "تاريخ" الأمة الثقافية الذي لا يناسب الحاضر، موضحاً أن العولمة تعمل على تطويع البيئات المختلفة وصهر بنياتها التكوينية لتلائم مفاهيم "عالمية" تتجاوز القيم المحلية والإقليمية وتعمل على تذويبها ومحوها وهنا مكمن الخطر- على حد تعبيره-. وأشار إلى أهمية التمسك بالتراث, الذي يعتبره دعاة التقدم نموذجا للتقوقع "والإعاقة التاريخية"، مضيفاً أن أهمية التراث لا تنبع فقط من كونه الوعاء "الناقل" للحضارة عبر الأجيال, بل يقترن بموضوع الهوية كونهما من تجليات وإفرازات الثقافة المحلية والإقليمية، لافتاً إلى أهمية التراث كمعطى "حركي" ناقل للحضارة والثقافة المحلية والإقليمية والمعبر عن المراحل التي تعاقبت على ذاكرة وتاريخ الأمة، مؤكداً أن الدعوة لمحوها هي أشبه بمن يمحو الجينات البنيوية لكائن عضوي يحمل تاريخا وحضارة وذاكرة تتضمن العادات والتقاليد والممارسات الاجتماعية والخبرات المتناقلة التي مرت بالأجيال من السلف إلى الخلف، فالدعوة لتجاوزها ومحوها هي دعوات مغرضة ترمي بالأمة في أحضان "الآخر" الثقافية . وانتقد المحاضر حال مركز المدينة الحضري وقلبها التاريخي، بافتقاد أهميته كذاكرة مهمة للمدينة وتاريخها وعراقتها في مقابل مجتمعات معاصرة وحديثة لا تعكس ذاكرة وحس المكان أو الطابع المعماري العريق والأصيل، مستشهداً في ذلك بالأبنية النمطية التي حلت محل التقليدية التي ترعرعت بها الحرف اليدوية والتقليدية.