عندما زارتها "الوطن" في سجن أبها العام، كانت مسنة تبدو على وجهها علامات الحزن والكآبة والندم على ما أقدمت عليه، ولو أنها في بعض اللحظات كانت تبرز من فمها ابتسامة متفائلة بالعودة إلى الحياة. "شعفة"، التي بدت آثار 90 عاما منحوتة على وجهها، عبرت عن تفاؤلها بالعفو عما جنته يداها من إنهاء حياة زوجة ابن زوجها بعد أن أطلقت عليها الرصاص لترديها قتيلة بسب خصومة ومشاحنات عائلية بينهما. حياة امرأة مسنة مثل شعفة داخل السجن اتسمت بالضعف فكانت على الدوام تنقل إلى المستشفى نتيجة لسوء حالتها الصحية والنفسية. وكانت عائلة الضحية أعلنت عن تنازلها عن حق القصاص في شعفة قبل 3 أيام وصدر حكم شرعي بذلك من محكمة مركز طريب التابع لمحافظة خميس مشيط. حيث شهدت القضية تدخلات من شخصيات معروفة ووساطات من أمراء وشيوخ وأعيان قبائل تدخلوا لإقناع أصحاب الدم بالتنازل عن القصاص في حق شعفة. كلمة شكر هول القصة التي بدأت تفاصيلها قبل 8 سنوات، كان واضحا على تعابير وجه شعفة التي سردت القصة ل"الوطن" بألم وحزن كبيرين. لم تنس شعفة في حديثها الشكر لنائب خادم الحرمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولشيوخ شمل قبائل عبيدة الذين بادروا بإصلاح ذات البين في قضيتها، قائلة "أشكر الجميع فقد عتقت رقبتي بفضل الله وبتدخل هؤلاء.. لا أنسى ما فعله نائب خادم الحرمين الأمير سلطان وأمير منطقة عسير الأمير فيصل بن خالد وشيوخ شمل قبائل عبيدة وعلى رأسهم الشيخ مناحي بن ذيب آل شفلوت والشيخ أحمد بن راشد العصيمي والشيخ سعد أبو قفرة والشيخ ناصر بن عايض الحبابي وغيرهم ممن ساندوني في قضيتي وأقنعوا أصحاب الدم بالتنازل". كما شكرت شعفة أصحاب الدم قائلة "موقفهم كريم لا يصدر إلا عن كرام، لقد أعادوا لي الفرحة والبسمة.. أرجو من الله أن يحتسب أجرهم ويجزيهم عني خيرا". "لحظة الشيطان" "شعفة" المسنة تعتبر من أكبر السجينات في سجون المملكة، وعلى الرغم من كبرها فإنها عبرت عن حالة اليأس التي مرت بها طيلة السنوات الماضية بسبب والديها اللذين ما يزالان على قيد الحياة. تقول شعفة "انتظرت كل هذه السنوات كي أخرج وأشاهد والدي ووالدتي الطاعنين في السن فقد تجاوزا عمر 120 عاما.. إنهما الآن بحاجة لي". وسردت شعفة قصة قتلها لزوجة ابن زوجها قائلة "عشت مع زوجي وحرصت على رعاية وتربية ابنه كأحد أبنائي منذ أن كان عمره 6 أشهر وبعد أن كبر وتزوج، حدثت مشادة كلامية بيني وبين زوجته تطورت لتشابك بالأيدي، حتى ضربتني بقوة فلم أتمالك نفسي فأخرجت مسدسا بحوزتي وأطلقت عليها النار.. كانت لحظة شيطان". وتابعت "سجنت لأكثر من 6 سنوات حتى صدر حكم قصاص بحقي بعد أن بلغ القصر". وأضافت شعفة أنها شعرت خلال إقامتها بالسجن بأنها بين بناتها وأهلها وشكرت مديرة القسم النسائي بسجن أبها نايلة عسيري التي قدمت لها المساندة والدعم والأمل في العودة إلى بيتها وكذلك كافة الموظفات في السجن اللاتي تعاملن معها على أنها أم لهن، موضحة أنها حظيت بالاهتمام بمتابعتها الصحية والنفسية والاجتماعية وغرس الأمل الدائم في نفسها بأنها ستغادر إلى بيتها، مبينة أنها كانت تشعر بجو الألفة الذي يسود السجن وكأنه بيت ثان للسجينات. ندم وتوبة من جهته، أوضح مدير سجن أبها العام المقدم عبدالله الشهراني أن صدور الصك بالعفو عن السجينة هو كرم كبير من أهل القتيلة وقد كانت هذه اللحظات التي تنتظرها السجينة بعد ثماني سنوات خلف القضبان. وأضاف أن السجن قام بدوره في دعم ومساندة السجينة وتأهيلها ودعم استفادتها من برامج الإرشاد والإصلاح في السجن دينيا وصحيا واجتماعيا ونفسيا فهي امرأة كبيرة في السن وكانت تحتاج إلى المتابعة الصحية الدائمة والمساندة النفسية وإعطائها الأمل في العفو وفي أنها ستعود لأسرتها. وأكد أن إدارة السجن ممثلة في القسم النسائي عملت على استيعاب حالتها كباقي السجينات وتقديم كامل المساندة لها لتشعر أنها في بيتها وبين أهلها إلى أن يتم الفصل في قضيتها. من جهتها قالت مديرة القسم النسائي بسجن أبها العام نايلة عسيري إن السجينة هي أكبر سجينة في سجن أبها، مشيرة إلى أن شعفة من أقدم السجينات الموجودات في سجن أبها وعمرها هذا جعلها تتعرض دائما للانتكاسات الصحية ومغادرة السجن إلى المستشفى دائما. وأضافت نايلة أن السجينة ندمت على ما فعلته في حق زوجة ابن زوجها ومنذ ذلك الحين وهي تعيش لحظات الندم والتوبة، فهي لم تتوقع أن تكون قاتلة في يوم من الأيام. وأضافت نايلة أن شعفة من السجينات الحافظات للقرآن المواظبات على الصلاة ولديها 10 أولاد وبنات وهم بحاجة إلى وجودها معهم. فرحة الأبناء أبناء شعفة عبروا ل"الوطن" عن فرحتهم العارمة بالعفو عن والدتهم. وقالوا إن فرحتهم لا توصف بصدور قرار العفو عن أمهم ووجهوا شكرهم لكل من سعى في عتق رقبة والدتهم من القصاص، وخصوا بالشكر نائب خادم الحرمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز وأمير منطقة عسير وأهل الخير وشيوخ وأعيان القبائل. وعن وضعهم العائلي قالوا إن العائلة مرت بأشد الظروف وعانت الأمرين بسبب مرارة القطيعة وتشتت أفراد العائلة وشناعة القضية التي انتهت بالقتل وأدت إلى قطيعة بين الأبناء والأحفاد من عائلتي الطرفين. وشددوا على أن عفو أصحاب الدم عن والدتهم هو بادرة خير لوالدتهم وللأسرة بكاملها فبه سيكون هناك عودة للترابط والعلاقات الطيبة بين الأبناء. وأضاف أحدهم "انتظرنا هذا اليوم بفارغ الصبر فليس هناك أجمل من عيش أمنا معنا مرة أخرى فهي كبيرة في السن وتحتاج للرعاية والعناية فيما تبقى من أيام حياتها، وذلك أقل ما يمكن أن نبرها به، وأن نسعى لأن تعيش ما تبقى من حياتها بشيء من السعادة التي فقدتها".