الوطن: ألو... الأستاذ حسن الترابي؟. الترابي: نعم. أتحدث معك والسودان يمر بلحظات تاريخية؟ نعم فنحن أمة ثغر في طرف العالم، وكلما ارتخى أو ضعف أمرنا تزحف عليه الثقافات من الجوار. هذا تصدير لما يعاني منه السودان؟. لا يا أخي الغرب وغيره يريدون أن يحاصروا الثقافات التي تحمل شرعا لا يحبونه. والغرب يتهمونك أيضا بنشر الثقافات حتى خارج السودان؟. نحن حاولنا في السودان أن ننشر اللغة العربية في كل العلوم، ننشرها في كل الآفاق ووراء السودان كذلك. أنت لا تؤمن إلا بلغة واحدة مع أنك تجيد الإنجليزية والفرنسية والألمانية؟. نعم لكن هناك تدافع ثقافات فانتشرت الإنجليزية والفرنسية كما هو حاصل بين الهوتو والتوتسي، كل واحد يريد أن يسيطر، فحاولنا أن نستعين بالسلاطين العرب. تستعين بالسلاطين العرب على ماذا؟. على نشر اللغة العربية. إلى هذه الدرجة أنت متخوف من اللغات الأخرى؟. لست متخوفاً لكننا لا نريد أن نعمل، كما عملوا مع اللغة الإنجليزية مثلا، لأن اللغة هي خطاب مع الآخرين، نخشى من أن تطغى لغة على لغة وتستأصلها. كيف تستأصلها؟. تطغى عليها، ولهذا كما قلت إننا نستعين بالسلاطين العرب، في بذل قليل من المال لنشر اللغة العربية. أنت من يصنع الأحداث ويغيب عنها؟. كيف؟. يقال إنك تصنع الحدث وتختفي لماذا؟. طبعا نحن لا نجلس للدعاء والتمنيات. كيف لا نجلس للدعاء؟. نلقي بالدعاء من الله على الأعداء وعلى كل الابتلاءات، بل كل ابتلاء يحيط بنا علينا أن نواجهه بالعمل. قلنا للناس إن بلدنا يتأخر ولا يتقدم. لماذا يتأخر السودان ولا يتقدم؟. الآن السودان مضى، ونحن كنا نحاول أن نذكر الناس وننبههم إلى أن البلاد تتقهقر وأن النزاع يكاد يمزقها، لا يجمعها أبداً. ماذا تقصد بالنزاع الذي يمزق البلاد؟. أقصد أن الآن بانت لنا العلل، وما هي إلا أيام حتى ينشطر البلد كله وقد تنتقل العدوى شرقاً وغرباً. لماذا وقع الانشطار؟. السبب هو الفشل في توشيج علاقات اتصال في التفاعل والتعامل والتزاوج والتشارك. ما هي محنة السودان؟. نحن لسنا بقوم، نحن أمة دعانا الآخرون سودا، وهو حزام يمتد من الأرض التي نحن عليها إلى آخر غرب إفريقيا، كلها تسمى السودان. إذن نحن مثل أميركا. مثل أميركا كيف؟. أميركا كانت قطرا اتسع لقادمين من إفريقيا وقادمين من أوروبا وهنود حمر ومكسيك ومن آسيا ولكن وشجوا علاقاتهم. كيف وشجوا علاقاتهم؟. في الاتصال والانتقال واستطاعوا أن يديروا بلدا واحدا مع أنهم أقل منا قدرة على التزاوج مع الآخر وحسن الجوار. أنت الآن في حالة رضا أم في حالة حزن لما يجري للسودان؟. أنا في حالة حزن شديد طبعا وأنا أرى الشاحنات تنقل الجنوبيين فكأنما جسمك يُقتلع منك هكذا. ألا تعتقد أن من رفع شعار أسلمة الجنوب هم السبب؟. أسلمة الجنوب! كيف؟. هناك من طرح أسلمة الجنوب كحل لمشكلة الجنوب؟. هذا كلام غربي، الإسلام بينه وبين الغرب ثارات من الحروب الصليبية الاستعمارية وهؤلاء كانوا عراة في الغابات. الجنوبيون كانوا عراة؟. نعم كانوا عراة في الغابات والبريطانيون أغلقوهم وحجبوهم عنا، وهي تراكمات أخذت تستفحل منذ استقلال السودان حتى جاء الإسلاميون. وما الذي فعله الإسلاميون؟. جاء الإسلاميون وكان يرجى أن يستدركوا كل ما مضى لكن إدارتهم في النهاية انتهت إلى العسكر. من هم؟. الإسلاميون إدارتهم في النهاية انتهت إلى العسكر والجند الذين يرون أن السلطة في المركز والثروة كذلك. تقصد حكومة السودان؟. المركز استحوذ على كل شيء حتى الثروة كلها في جيوبهم، هم الذين يعطون ويبخلون على من يشاؤون، فهذا ما جعل الجنوب ييأسون. لكن هناك اتفاقية سلام؟. هم اعتقدوا في اتفاقية السلام الأخيرة أنهم ربما يستدركون ما سبق لكنهم فشلوا ونحن الآن لا نقطع بينهم لعل الرجعة تأتي. أنت تُحمل البشير ما انتهى إليه السودان؟. نعم، وما زاد الطين بلة هو أنه بدل أن يستدرك باتفاقية سلام كان الجنوبيون أنفسهم يرجون شيئا جديدا لكنهم رأوه خوانا غدارا في ما يوقع معهم، ولذلك استيأسوا وقد يتمزق البلد كله مثلما تمزقت يوغوسلافيا وغيرها. هل تعتقد أن المحكمة الدولية من الأسباب؟. سبب في ماذا؟. فيما تشكله من ضغط نفسي على الرئيس عمر حسن البشير؟. كلا كلا العلاقات الدولية الآن أصبحت متداخلة لكن حسب ضعف البلد تأتيه الرياح والمحكمة ليست ضد السودان. ولكنها ضد رئيس السودان؟. المحكمة الدولية هي ضد من أحرق القرى بالآلاف ومن قتل بالآلاف ومن شرد الناس بالآلاف. أنت تؤيد المحكمة الدولية؟. نعم، أن نكون قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسنا. أستاذ حسن أنت من أي مكان بالسودان؟. أنا ولدت في شرق السودان ونشأت غربا وجنوبا وشمالا وتشربت كل الثقافات، فأنا لا أحب أن أكون رجعيا لا أفهم شيئا. إذن تقدمي أنت؟. ولا تقدمياً أنسى جذوري وثقافتي. كم عدد السنوات التي قضيتها بالسجن؟. تجاوزت أحد عشر عاما. هل تعتبرها أياما شقية في حياتك؟. أبداً، في السجن كنت أنام وأصلي وأقرأ. ما العالق في ذاكرتك من أيام السجن؟. عندما تسوء المعاملة سوءاً شديداً فيزج بنا في زنازين الذين يحكمون بالإعدام فنعيش في الظلام تهجم علينا الفئران. أنت دائما تتحدث عن المرأة؟. الإسلام جاء محرراً للمرأة وكان تقدماً لها. ما الذي يشغلك في يومك؟. قدر، أن أسرتي لا تجد مني حظوظاً كثيرة، أنا أتحدث إليك ومعي مجموعة من الإخوة في البيت وكنت قادماً من ميتم. آخر مرة قابلت سيلفا كير؟. قابلته من فترة قريبة. لو انفصل السودان ماذا تقول له؟. لا يا أخي الكريم، نحن أقرب الناس لهم، لا تنس أن جون قرنق هو السبب في إطلاق سراحي من السجن. كيف تنظر للعالم العربي؟. حيثما أنظر للعالم العربي لا أرى إلاّ المآسي، إما السلطان يشن حرباً وإما النزاع بين الطائفية الشيعية والسنية، وربما هذا سوف يستفزنا لنعبئ طاقتنا من جديد. حوارنا انتهى شكرا لك. عفوا.