منذ ما يقرب من 11 عاما، أقرت حكومة المملكة العربية السعودية المجالس البلدية لتكون شريكا إشرافيا رقابيا على سير المشروعات البلدية، ومسهمة في دفع عجلة التنمية المحلية، وتحقيق مستوى أعلى من الرفاهية للمواطن والمقيم. ومع اقتراب انتهاء الدورة الثالثة لها، يطيب لي أن أقف معها وقفات سريعة لعل أبرزها: -1 أسهمت المجالس البلدية -إلى حد ما- في رفع مستوى الوعي الانتخابي لدى المواطن والمواطنة، وممارسة جانب من جوانب الديمقراطية، تمثلت في حرية التعبير والاختيار ومنح الصوت الانتخابي لمن يستحقه بحق، ولكن سرعان ما تعثرت تلك التجربة، عندما اصطدمت بحاجز القبيلة والمناطقية الجغرافية والطائفية، لتحرف مسارها الديمقراطي وتؤثر في نتائجها، ليتولد عنها جنينٌ مشوّه، فينتخب ويعيّن ذوي الكفاءات المتدنية والتجارب السطحية. -2 أُقرّت لائحة المجالس البلدية وتضمنت كثيرا من الصلاحيات، لكن سرعان ما تبخرت، لماذا؟! تبخّرت عندما وجد المراقِب نفسه ينساق في ظل المراقب ماليا وإداريّا وغيرها، وإذا ما حاول المراقِب أن يرفع رأسا بالنظام، لوّح المراقَب بالانتقام الناعم. فتارة تجده يعتذر بعدم إقرار الممثل المالي للمكافأة أو... والقائمة تطول، ليصدق قول القائل «تارة يتسع النظام ليدخل الجمل بالقتب، وتارة يضيق حتى لا يجد له الناموس مسلكا». 3 - مُنحت للمجالس البلدية صلاحيات موسعة تتعلق بالرقابة والمتابعة والمحاسبة، لكن ما إن باشرت العمل بها، حتى وجدت نفسها أمام قائمة من المشروعات المتعثرة، بحجة غياب الدراسة الإستراتيجية للمشروع، لتقف بعد ذلك بين مفترقي طرق أحلاهما مرّ، إما إقرار المشروع وترقيعه من بنود الصيانة، وقد كانت الحالة المطرية التي فاء الله بها على بلادنا خير شاهد على ذلك، أو ردّها والدخول في سلسلة من الإجراءات البيروقراطية التي تنتهي عادة باختفاء المشروع، ليصبح أثرا بعد عين. ولمعالجة ذلك أقترحُ الآتي: -1 دمج المجالس البلدية والمحلية في مجلس واحد، يُسمى «المجلس التنموي» لتعلق عملها بكل القطاعات الحكومية الأخرى من مختلف الوزارات، تحقيقا للعمل التكاملي التبادلي المشترك. -2 تفعيل استقلالية المجالس كما نص النظام على ذلك، من كونها شخصية اعتبارية مستقلة إداريّا وماليّا، بعيدا عن كيان الأمانات والبلديات حتى يتسنى لها العمل والمتابعة، ويتسنى لصاحب الصلاحية المحاسبة، لا سيما أن النطاق البلدي يمس احتياج المواطن والمقيم بمختلف فئاتهم العمرية. -2 تضمن برنامج التحول الوطني 2020، وبرامج الرؤية الوطنية 2030، استثمار الكفاءات البشرية، لما لها من دور فعّال في تحقيق النقلة النوعية على مختلف الأصعدة، ولذلك فمن المهم مطالبة المرشحين والمعينين للدورة القادمة من تقديم برنامج انتخابي نوعي، يعكس كفاءة المرشح وخبرته ومقدرته على الإسهام في العملية التنموية، على المدى القريب والبعيد، ويخضع فيه لتجربة مشابهة حتى يتسنى للمواطن والمواطنة اختيار الأكفأ. -3 أجادت الأمانة العامة للمجالس البلدية في إقرار اللائحة، لكنها أخفقت في تدريب أعضائها المنتخبين والمعينين، أخفقت في تدوير التجارب الناجحة بين المجالس، ولذا فإنه من المهم إقرار ملتقى سنوي لإبراز الجهود، شحذًا للهمم ومعالجة للقصور، وتحقيق التكامل في العمل البلدي، في القرى والهجر والمدن. -4 وأخيرا الإعلام في حاجة إلى أن يقول قولته في إبراز العمل الجاد المميز والمطالبة بمحاسبة المقصر. نطمح جمعيا إلى أن يرتقي القطاع البلدي، لتحقيق طموح القيادة الملكية الطموحة الشابة، خلال السنوات القادمة، وأن نرى واقعا مغايرا بإذن الله تعالى.