لا يمنع الإنسان أن يفكر بطريقة مختلفة عن الآخرين، يخرج من إطار تفكير المجموعة إلى تفكيره الخاص المتفرد. فنحن -مثلا- كثيرا ما نرى في اجتماعاتنا ومجالسنا كثيرين من المنكبين على هواتفهم، بينما قد يكسر أحدنا هذا السلوك بإخفاء هاتفه، والبحث عن بدائل أخرى، كالاستمرار في التأمل والتفكير، أو أن يلقي سؤالا هادفا مثمرا يدفع الجميع إلى التفكير، مما يعود عليهم بالخير والمنفعة. إن كثيرا من البارزين الذين قدموا خدمات جليلة للبشرية، كانوا مختلفين عن الجميع، وهم ممن نطلق عليهم المفكرين خارج الصندوق. لذا، فهم الذين اختاروا لأنفسهم طريقا غير الطريق التي يسلكها الجميع، وسلوكا غير السلوك الجمعي، والذي أفضى إلى ظهور مصطلح ما يسمى بثقافة السرب، وهي الثقافة التي يسلكها كثيرون، خلال اندماجهم مع الجماعة وذوبانهم فيها، مهملين تفكيرهم الشخصي، وقرارهم الخاص الذي قد يكون أفضل من قرار المجموعة. إنك ترى وتلمس تأثر كثيرين وتقبلهم لسلوك المجموعة الخاطئ مع قناعتهم بخطئه، لكنهم دائما ما يتعللون بقولهم: الكل يفعل هذا، وهنا مكمن الخطأ، وتغييب العقل! حين رسم الفنان الإسباني بيردل بوريل لوحته الشهيرة «الهروب من الإطار»، فإنه كان يريد أن يقول للعالم: إن الخروج من الإطار الذي يحيط الشخص به نفسه، خلال قبوله بسلوك المجموعة، وانصهاره فيه، سيدهشه خلال حجم الإبداع الذي بداخله! انظر في التاريخ، وقلّب أسفار السير، ثم اسأل نفسك هذا السؤال: من الذين خلد التاريخ ذكرهم؟ وكيف غاب غيرهم؟ فما بقي أولئك النجباء إلا حين اختاروا لأنفسهم طريقهم بتفكيرهم الخاص، وقراراتهم الشخصية، ورفضهم لثقافة المجموعة، واختفى غيرهم بقبولهم وتسليمهم لثقافة المجموعة دون التفكير في التغيير!. وما أحوجنا في هذا الوقت بالذات، عصر وسائل التواصل الاجتماعي، وتلقي الرسائل، والصور، والإشارات بشكل متسارع وكبير، إلى أن نربي أنفسنا على التفكير السليم المتفرد الخاص دون التسليم برأي المجموعة دائما! وما عليك لو خالفت رأيهم، وما يضرك لو هوجمت، المهم أن تكون سائرا في الطريق الصحيح. يقول جورج برنارد شو: الطموح هو أن تعيش بضع سنوات من حياتك بشكل يستهزئ به غالب الناس، كي تعيش بقية حياتك بشكل لا يستطيعه أكثر الناس. إنك من أجل أن تتغير، عليك أن تغير ثقافتك حتى يتغير سلوكك، ثم ستكون قادرا على تغيير ثقافة كثيرين ممن حولك.