يحق لأي دولة أن تفرض ما تريده من أنظمة وقوانين تساهم في حماية أمنها ومجتمعها، ولا يحق لنا ونحن لسنا مواطنين بها أن نعترض أو نغضب، فلكل حكومة معاييرها الخاصة في فرض الأنظمة وسن القوانين، ولكل مجتمع نظرته تجاه الأمن والشعور بالأمان. عدد من الدول الأوروبية حظرت لبس النقاب كلّياً أولها فرنسا وتبعتها بلجيكا ثم بلغاريا ولاتفيا والنمسا والدنمارك، وأخرى حظرته في الأماكن العامة والمواصلات والمستشفيات والمدارس، ومن ضمنها هولندا والنرويج، بالإضافة لبعض الحكومات المحلية في المدن والولايات داخل بعض الدول مثل روسيا وإسبانيا وإيطاليا وسويسرا والصين والقائمة تزداد كل عام، بل إن هناك دولاً عربية وإسلامية تدرس قرار حظر النقاب ومنها تونس (التي كانت ولا زالت تمارس تضييقاً على المنقبات برغم عدم وجود قرار يمنع لبس النقاب)، ومصر يناقش برلمانها منذ فترة هذا الموضوع. لدى هذه الدول دافعان رئيسيان لحظر النقاب، أولهما أنه يخالف المبادئ الدستورية للدولة كأن تكون الدولة ترفض إبراز المظاهر الدينية ومن جملتها النقاب، وثانيهما أسباب أمنية، فالمتطرفون يستخدمون النقاب للتخفي عن أعين رجال الأمن وتنفيذ أعمالهم الإرهابية (كما يقول المطالبون بمنعه)، وهو السبب نفسه الذي دفع دولاً إسلامية لمنعه منها تشاد التي تعرضت لهجومين إرهابيين استخدم فيهما الانتحاريون النقاب للتنقل والتفجير، ثم تبعتها السنغال وبعض الدول المجاورة لها، والتي فرضت الحظر احتياطاً. وبرغم أنه توجد الكثير من الدول الأوروبية لا تمنع النقاب إلى حين كتابة هذا المقال إلا أن الحملة الإعلامية ضد النقاب في كثير من هذه الدول دفعت رجال الأمن في كثير منها للتضييق على المنقبات، (كما شاهدنا بعض الحوادث في ألمانياوتركيا)، كما جعلت المجتمعات المحلية لهذه الدول تمارس بعض التضييق على المنقبات كإطلاق عبارات عنصرية أو نظرات الازدراء أو الأذية في الطرقات والأزقة. لا شك أن قرارات المنع والحملات الإعلامية ضد النقاب تؤثر على السائحات المنقبات من كل مكان، ومن ضمنهن السعوديات الراغبات في السفر إلى هذه الدول. يفرّق الأوروبيون كثيراً بين الحجاب والنقاب، فالمرأة المحجبة هي التي تكشف وجهها وتغطي شعرها بالطرحة في حين أن التي تغطي وجهها تُسمى منقّبة، والأوروبيون متعودون على الحجاب ولا تواجه المرأة المحجبة أية مشاكل في تعاملاتها اليومية في بلادهم سواءً أكانت سائحة أو مقيمة أو مواطنة، في حين أن المنقبة تتعرض لكثير من المضايقات وأيضاً الغرامات. نسبة كبيرة (ربما الغالبية) من السائحات الخليجيات إلى أوروبا لا يلبسن النقاب حتى لو كنّ منقبات في بلدهن، وهذا يعود لوعيهن بمخاطر لبس النقاب مقارنة بالحجاب (غطاء الرأس دون الوجه). الصحيح ألا تعرّض المرأة نفسها للخطر، ولا يعرض الرجل أهله للمضايقات والغرامات، ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، فإن كانت تستطيع أن تزيل غطاء الوجه وتكتفي بغطاء الرأس فستستطيع غالباً السياحة في أي دولة ترغب دون أن تتعرض لخطر، فكثير من المواطنات الأوروبيات المسلمات محجبات (غطاء رأس دون وجه)، أما إن كانت لا تستطيع إزالة غطاء الوجه فالصحيح عدم السفر إلى أوروبا ولا حتى إلى تركيا، فالمجتمع في هذه الدول يكره النقاب ويتوجس منه كثيراً، ويمكن للمنقبة الاكتفاء بالسياحة داخل حدود بلدها أو التوجه إلى الدول الخليجية والإسلامية التي لا توجد بها تضييقات على النقاب.