أطلقت وزارة التعليم بالمملكة العربية السعودية، في الفترة الأخيرة، برنامجا تجريبيا يهدف إلى إدخال مقرر اللغة الإنجليزية إلى الصفين الثاني والثالث الابتدائي، بما يتماشى مع رؤية المملكة في تنمية مهارات الطالب. وهنا يتساءل بعض أولياء الأمور حول جدوى تقديم هذا المنهج في هذا العمر المبكر، وآخرون تخوفوا من تأثيره السلبي على أبنائهم. وفي الحقيقة، فإن الأمر يبدو على عكس هذا، إذا ما قرأناه من منظور البحث العلمي، ووحي التجارب الناجحة. إن تقديم لغة ثانية للأطفال منذ الصف الأول الابتدائي أمر معمول به في الدول المتقدمة بالفعل، ففي أستراليا يتم تخيير ولي أمر الطالب بين 3 لغات أجنبية ليتعلم طفله أحدها خلال التحاقه بالمدرسة. الأبحاث التربوية التي درست تأثير اللغة الثانية على الأطفال، تؤيد تقديم لغة ثانية بشكل عام للأطفال. على سبيل المثال، تشير دراسة في 2009 أقامتها جامعة تيسرت -شمال إيطاليا- إلى أن تعلم لغة ثانية لدى الأطفال يرتبط إيجابيا بالاستجابة السريعة في الجوانب اللغوية. وفي دراسة أخرى 2004، وجد باحثان من جامعة يورك أن الأطفال ثنائي اللغة يمتلكون قدرات معرفية أفضل، ومهارة في حل المشكلات أفضل مقارنة بأقرانهم ممن لم يحصلوا على تجربة تعلم لغة ثانية. ربما يخشى بعض أولياء الأمور من تأثير اللغة الإنجليزية على إتقان مهارات اللغة العربية، كما لو كانت علاقة اللغتين علاقة الموجب بالسالب، وهذا في الواقع غير دقيق، طالما أن برنامج اللغة العربية مستمر، والبيئة تدعم ذلك والمنزل. وهناك من لديه مخاوف على الهوية الإسلامية والعربية والوطنية، ولكن لا يبدو الأمر كذلك هنا. ففي حال كان محتوى المنهج مُعدّا بعناية فإننا نستطيع أن نعزز خلاله ثقافتنا وقيمنا الأصيلة، وإنما باللغة الإنجليزية. لدينا عدد كبير من الطلاب ممن تعلموا لغتين وأكثر، وانطلقوا في نجاحاتهم اللغوية، وحققوا مهارات اجتماعية ودراسية ملحوظة. إذًا، ليست المشكلة في فكرة تقديم لغة ثانية للأطفال، وإنما قلقنا الأكبر هو في الطريقة والكميّة التي سيتم فيها تقديم هذا المنهج التفاعلي للأطفال. يخبرنا أهل الاختصاص أن الأطفال يتعلمون بشكل أفضل، عندما يتعرضون للغة الثانية بشكل مكثف وعفوي، بطريقة لا يظهر منها التدريس المباشر، وذلك عكس البالغين، إذ يفضلون في الغالب التعلم عبر حلقات منفصلة، وبتدريس مباشر. لذا، نحن على أمل أن تكون حصص اللغة الإنجليزية متتالية، وتمتاز بالتسلية والألعاب التعليمية بالإنجليزية، بعيدا عن الاعتماد على الكتاب المدرسي. نسأل الله أن يوفق جميع الطلاب إلى كل خير، وأن يجعل من تعلمهم اللغة الثانية خيرا لهم في دينهم ودنياهم.