يعاني كثيرون من تجارب مؤلمة أو مخيفة، كالتعرض لحادثة طريق مروِّعة، أو كارثة طبيعية في محيط مكانٍ كان فيه، لكن بعضهم يتعافون منها مع مرور الوقت، بينما تصاحب آخرين ذكريات سيئة وتؤثر عليهم نفسيا لشهور وربما لسنوات عدة، فيما يُعرف باضطراب ما بعد الصدمة. فريق بحثي من جامعة توياما باليابان نجح في التعرُّف على الآلية التي يسترجع بها المخ ذكريات معينة دون الأخرى، وإمكانية الاستفادة من ذلك في محو الذكريات المؤلمة فقط دون غيرها. الدراسة نُشرت حديثًا في دورية ساينس العلمية تحت عنوان «دور المشابك العصبية في تحديد هوية الذكريات المتشابكة»، كشفت عن أن الذكريات تمثل بيت الخبرة لدى الإنسان، وأنها تأتي متلاحقة وتتكون بصورة متشابكة في المخ. وتمثل المشابك العصبية نقطة اتصال والتقاء بين الخلايا العصبية، وهي جزء أصيل فيها، تحمل الذكريات، وقد ركز البحث الأخير على دراستها، ليتوصل إلى نتيجتين جديدتين، الأولى، إمكانية المحو الدائم والكامل للذكريات السيئة، عن طريق تكسير نوع معين من البروتينات في المشبك العصبي لدى فئران التجارب، حيث تلتقي الخلايا العصبية، والثانية، معرفة المكان والكيفية التي يخزن بها المخ تلك الذكريات. ورغم أن هناك دراسات سابقة حاولت محو الذكريات المخيفة جزئيًّا، لكن الدراسة الأخيرة أول دراسة تحكَّمت في الذكريات تحكُّمًا كاملًا، وفق «كريم محمود»، الباحث الرئيس للدراسة، والأستاذ المساعد بقسم الكيمياء الحيوية في جامعة توياما، وذلك من خلال حَقن نوعين من الأدوية في المشبك العصبي، إذ جرى التأثير عليها، ومحو الذاكرة المراد نسيانها، وهذا بعكس الدراسات الأخرى التى عادت فيها الذكريات السيئة مجددا، نتيجة حدوث موقف عرضي ما. عمل الدماغ يوضح محمود أن المخ له طريقته الخاصة في تخزين الذكريات والحفاظ عليها، فحينما يتعرض الإنسان لموقف ما، يقوم المخ بتصنيع بروتينات معينة في خلاياه، تمثل الذاكرة التي مر بها في ذلك الوقت، وفي حالة حدوث أي ضرر يقوم المخ تلقائيا بتعويض هذا التلف ببناء بروتينات جديدة تمثل الذاكرة الداخلية، ليظل الشخص محتفظا بها، لذلك كان ضروريا حقن الفئران بالدواء الأول من أجل منع تصنيع تلك البروتينات، والثاني، لوقف تكوين تلك البروتينات أو تصنيعها مرة أخرى، وبذلك أزيلت الذاكرة السيئة تماما من المخ. وفي هذا الصدد، اكتسبت نقاط التشابك الكثير من الاهتمام، إلا أنه لم يكن هناك أي دليل مباشر على وجود علاقة سببية بين التغيرات التي تحدث فيها، وتكوين الذكريات، لكن هاياشي - تاكاجي وزملاءە قد قاموا في دراسة سابقة نُشرت عام 2015 في دورية نيتشر العلمية، بملء تلك الفجوة، من خلال هندسة البروتينات والتصوير الحي؛ إذ قاموا بتحديد نقاط التشابك التي يتم تنشيطها عندما يتعلم الفأر إحدى المهارات الحركية الجديدة، ثم قاموا بإضعافها؛ لمحو الذاكرة الحركية المتعلقة بها.