تركي الحربي إن الفرحة التي تغمرنا هذه الأيام المجيدة، بسبب ما نعيشه من تغيير واقعٍ جثم على صدورنا بما يقارب 4 عقود، وهو ليس تغييرا بمعنى تبديل هويتنا، بل كما قال رائد النهضة وصاحب الرؤية، أميرنا المحبوب محمد بن سلمان: «فنحن لم نكن بالشكل هذا بالسابق! نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه.. سبعين بالمئة من الشعب السعودي أقل من ثلاثين سنة، وبكل صراحة لن نضيع ثلاثين سنة من حياتنا بالتعامل مع أي أفكار متطرّفة، سوف ندمرهم اليوم وفورا». حين سمعت هذه الكلمات من ولي العهد في مؤتمر مبادرات المستقبل، شعرت بتدفق هرمون الأدرينالين في جسدي! إن ما يشعرك بمزيد من الغبطة والتفاؤل، هو تميز الشعب السعودي عن باقي الشعوب بأغلبية شابة، تقدر بثلثي الشعب، وغالبهم كوادر مميزة من الجنسين، تحمل درجات علمية عالية، حصلت عليها من أرقى الجامعات الداخلية والخارجية، وهذا ما متّعها بقدر عالٍ من الوعي والإدراك والثقافة، وحب الوطن بإخلاص ينبع من شعورها بقيمة هذا الوطن العظيم، وهو حقا ما يشعرك بالحماس والحيوية والتفاؤل لمستقبل أجمل. إن الثقافة والمعرفة من الركائز الأساسية التي تنهض بها الدول، وكي يكون أفراد المجتمع على قدر عال من الثقافة، يجب أن تكون نوافذ ومنابر العلم والإعلام في الدولة على قدرٍ أكبر من الثقافة والعلم! الكتب هي نافذة للعلم والثقافة والمعرفة، وهذا لا يعني أبدا أن محتوى الكتب هو يقين دائم، وكأنه نص مقدس لا يقبل التعديل والتغيير، فهي في النهاية منتج بشري، فيها الغث والسمين، فلا مانع لكونها في وقت سابق ذات قيمة علمية، وقد تختفي قيمتها العلمية بمرور الزمن، واكتشاف حقيقة علمية بدلائل أقوى وأوضح، لتهدم ما كان قبلها من فرضيات ونظريات كان ينظر إليها كحقائق، لتصبح لاحقا كتب تراث للتعريف بفهم خاطئ في زمن معين، وبمعطيات متواضعة!، ولكن بعد توسع المعرفة والفهم والمعطيات تحول ما كان كتاب حقيقة ويقين إلى مجرد كتاب تاريخي. قد لا يختلف أحد معي في وجود حركة ملحوظة ومتصاعدة في التأليف والنشر، مما يعد بمستقبل زاهر للثقافة والعلم في المملكة، والأصل في التأليف والنشر مباح ما لم يوجد في محتواه أي مساس بعقيدتنا الإسلامية، أو الإساءة الشخصية خارج النقد، أو بالأمن القومي والوحدة الوطنية، لأن الوطن خط أحمر، ومن يتجرأ على الوطن ووحدتنا، سواء بتصريح أو بتلميح، لا هو عالم ولا أديب ولا ناقد، إنما مجرد حاقد مأجور! أما ما دون الوطن، فهو حرية الكاتب ورأيه الشخصي، حتى لو كانت هنالك شريحة كبيرة تختلف مع رأيه، سواء كان اختلافا كليا أو جزئيا، للجميع الحرية في الرد عليه وتوضيح اختلافهم معه، ولا يجوز أبدا التعرض لشخصه والإساءة إليه. فالاختلاف سنّة كونية ولا ضير من تعدد الآراء والقناعات، فقد يكون الاختلاف مفيدا، ويثري الحوار ويلهم الأفكار، أما إقصاء الآراء المختلفة وإجبارها على العدول عن الاختلاف، فهذا يعدّ وصاية على عقول البشر، وكأن لسان الأوصياء قائلا: لا علم ألا ما نعلم ولا والجهل ما نجهل!. إن بلادنا الحبيبة ستقود العالم إلى تطوّر جديد وغير مسبوق بالتقنية والثقافة والإعلام، وكيف لا نحظى بالصدارة؟! ونحن الذين نقوم الآن ببناء مشروع مدينة ستكون نموذجا عالميا ورائدا في شتى نواحي الحياة، «نيوم»، هي صورة واقعية حية للمستقبل العالمي بالتقنية والإعلام والثقافة! صحيح أنه توجد قلة قليلة ممن لا زال يفكر بعقل الوصي على أفكار وأفعال البشر، ووجود هؤلاء طبيعي ولا يقلق أبدا، سيغطيهم وابلٌ من الحيوية والشباب، وسيروي العقول الجدباء، وبدل أن تصفد أراء البشر بالأمر والنهي والصوت والعصا ليرجعوا إلى مربع الرجعية والجهل والتخلف، ستتغير مفاهيم العقول المتحجرة لفهم معنى الوطن! بالعلم والمعرفة تستنير العقول، ويقوم المتحجر بالعدول عن ادعاء أن له حق الوصاية على عقول الناس. يشعر المواطن بالفخر والاعتزاز حين يعيش لحظات التحول الوطني، بما يراه ويحسه من جدية وعمل وحماس شباب الوطن، وما يقدمونه من مجهودات للمشاركة في نهضة وبناء وطنهم، كمثل الذي نشهده من السعوديين والسعوديات بالبحوث والأفكار والمشاريع على الساحل الغربي وجزر البحر الأحمر وفي محافظة العلا. إن تجارة الحكومة الرابحة هي الاستثمار في تلك الطاقات الشابة، وهو البناء الحقيقي للإنسان، لما يجعله يشعر بالانتماء الوطني، ويعي ويدرك المفهوم الحقيقي للوطن بالاسم والمعنى العظيم، وبالتأكيد إنه سيشعر بالسعادة وهو يبذل في سبيل الوطن الذي ينتمي إليه، ويشارك في بنائه ونهضته. وبعد أن فتحت أبواب العمل للسعوديين والسعوديات في شتى المجالات، خاصة تلك التي كانت محظورة على النساء، أو تلك الوظائف التي كانت محتكرة ومخصصة لغير السعوديين فقط، وهو ما أتاح الفرصة للشباب بالمشاركة في بناء ونهضة وطنهم العظيم.