كانت العين قديماً مقياسا للجمال وحسنها رمزا للأنوثة، وكلام العيون لغة خاصة بالعشاق فلا تكاد تخلو القصائد الغزلية من وصف العين والتغني بجمالها إما بوصف العين المثالية للمرأة أو تغني الشاعر بعيون المحبوب، حتى اعتبرت أشد أنواع الأسلحة التي تستخدمها المرأة لإغواء الرجل وكما هو معروف لكل زمان ثقافته الخاصة ومعاييره الجمالية التي تختلف عن الزمن الذي قبله. وجاء عصرنا لتتبدل مفاهيم العيون وتنقلب من كونها مفتاحا لقصيدة غزلية لتكون أداة تدمير يخاف الجميع من شرها, فها هو صوت فنان العرب يصدح معلنا ومؤكدا اختلاف معايير هذا العصر ليطربنا بأغنيته الشهيرة (يا العيون اللي تصيب ولا تسمي) لينحصر جمالها بدائرة ضيقة حتى ضاقت معها العيون بالرغم من اتساع الخيرات فأصبحت رمزا للحسد وسلاح قتل من نوع آخر فمن أصابته العين سيكون من المنكوبين في الأرض، وما يزيد الأمر سوءا كون الجاني (وهو من يصيب بالعين) مجهول الهوية فيبيت المجني عليه وهو من وقعت عليه العين عاجزا عن طرد هذه العين وقد يتفاقم به الوهم ليقوده إلى الموت لعدم قدرته على الاغتسال ببقايا (إنسان). تكاد المجالس لا تخلو من الحديث الروتيني الذي يدور حول فلان أصابته عين ومات، والآخر أعطي عين بزواجه فطلق زوجته، بالرغم من جهلهم لمسببات الموت وظروف الطلاق، وهناك الكثير من القصص التي تنسج من الخيال ليثبت بها القائل إصابته بالعين مع افتقاره ما يحسد عليه. صارت العين شماعة بالنسبة لكثير من الأشخاص يعلق عليها أخطاءه وفشله في حياته سواء في مرحلة دراسية متغافل عن مستواه الدراسي بها أو استهتاره بالعمل في وظيفته بزعم أنه (مصاب بالعين) متناسيا أن هناك أناسا يشغلون وظائف مهمة بالدولة وصلوا لها دون خشية العين، حتى أصبح هناك خوف من امتداح شخص أو الثناء عليه، وقد تصل لعدم النظر إليه مباشرة لتحاشي حدوث شيء فيترك انطباعا بأن (عينه صاروخ). أنا لا أنكر بأن العين حق فقد أثبتها قول الرسول علية أفضل الصلاة والسلام "العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقت العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا" رواه مسلم، لكن الاعتدال بالأمور مطلوب، فالاعتقاد بوجود العين لدرجة الوسوسة وأن كل ما يصيب الشخص هو من فعل العين والتطير من التواجد في المجتمعات حتى لا تصيبه العين هو أمر مبالغ فيه وفيه من عدم التوكل بالله فليكن في قلوبنا إيمان بالقضاء والقدر فما أصابنا لم يكن ليخطئنا وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا. نوف نايف العتيبي (الطائف)