تسهم التربية المهنية في تطور النمو الاقتصادي وتحسين الإنتاجية في مجالات الزراعة والصناعة والعديد من المهن والصناعات، التي تعد ركيزة أساسية من ركائز تنمية المجتمع والأفراد وتقدمهم ورقيهم، وعنصرا مهما في عمارة الأرض. وتتميز التنمية الاقتصادية في السعودية بارتباطها بخطط تنموية ذات منطلقات وأهداف ورؤى تؤكد الرغبة في دفع عجلة التنمية بمختلف مجالاتها البشرية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وقد مرت المملكة خلال تاريخها بمجموعة من الخطط التنموية التي ساهمت في تنظيم شؤون الدولة والكشف عن أبرز مواطن القوة ومواطن تحسين الفرص في الاقتصاد الوطني، وقد أشار التقرير السنوي لوزارة الاقتصاد والتخطيط للعام المالي 1437-1438 الموافق لعام 2016 إلى بلوغ المملكة العربية السعودية للخطة التنموية التاسعة التي ترتكز على خمسة محاور رئيسة، تشكل فيما بينها إطارًا متكاملاً لمواصلة التنمية الشاملة والمتوازنة وتسريعها خلال السنوات القادمة، فضلا عن إرساء دعائم التنمية المستدامة على المدى البعيد، وتتمثل المحاور الخمسة في: مواصلة جهود تحسين مستوى المعيشة ونوعية الحياة للمواطنين، وتنمية القوى البشرية الوطنية وزيادة توظيفها، والتطوير الهيكلي للاقتصاد السعودي، والتنمية المتوازنة بين المناطق، وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني والمنتجات السعودية في السوق المحلي والأسواق الخارجية. وقد توج قرار مجلس الوزراء ذي الرقم 308 في تاريخ 18 / 7 / 1437 ه العمل التنموي بالموافقة على قرار رؤية المملكة 2030 والتي تحتوي على مجموعة من الأهداف والمبادرات والبرامج والمشروعات التي تساعد في رسم ملامح التنمية في المملكة للأعوام القادمة. وقد اشتملت مبادرات رؤية المملكة 2030 الخاصة بوزارة التعليم على 108 مبادرات تنطلق من خلال أهداف الرؤية، لتؤكد اهتماها بالتربية والتعليم بشكل عام والتربية المهنية على وجه الخصوص، وجاء الهدف الثاني من أهداف الرؤية ليؤكد «تعزيز قدرة نظام التعليم لتلبية متطلبات واحتياجات سوق العمل» كما جاء في الهدف الثالث العمل على «تعزيز القيم والمهارات الأساسية للطلاب». كما تضمنت وثيقة سياسة التعليم في السعودية مجموعة من المبادئ التي تتناغم مع المبادئ التربوية للتربية المهنية والمشاركة في الأنشطة الاقتصادية والتنموية، ك«مبدأ التربية على العمل، الذي يؤكد على إعداد المتعلمين للعمل والعناية بالربط بين الفكرة والعمل باعتبارهما رئيسين في الخبرة العملية» إضافة إلى «مبدأ إعداد المتعلمين لتحقيق مطالب وحاجات التنمية وربط التربية والتعليم بخطة التنمية العامة للدولة». وعلى الرغم من وجود مقرر خاص بالتربية المهنية في المرحلة الثانوية يهتم بتقديم بعض المهارات الإدارية كالمقابلات الشخصية وكتابة التقارير وإعداد المذكرات الداخلية وغيرها من المهارات المكتبية، إلا أنه في واقع الأمر لا يفي ولا يلبي متطلبات وأهداف رؤية السعودية 2030، ولا يقدم القدر الكافي من المهارات المهنية والمعارف والاتجاهات ذات العلاقة بالتربية المهنية في المرحلة الثانوية التي تسعى لتحقيق متطلبات الرؤية، فالتربية المهنية مفهومها واسع وكبير يتعدى بكثير النظرة الضيقة التي تقف على مجرد إكساب الطلاب بعض المهارات البسيطة في السكرتارية المكتبية. مفهوم التربية المهنية والمهارات المهنية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بكل عمل يؤصل لكافة المهن التي يشغلها معظم فئات البشر والتي تسهم في تنمية البلاد؛ فالحرف الخدمية البسيطة والصناعة والتجارة والتسويق وقطاع الأعمال والخدمات الإلكترونية وقطاع التعدين وقطاع الكهرباء وتقنيات الفضاء والصناعات العسكرية والصناعات الدوائية، وغيرها من القطاعات والمهن الشريفة التي تسهم في دفع عجلة التنمية، جديرة بأن يتعلم أبناؤنا وبناتنا أدبياتها ومواثيقها ومبادئها وأهميتها ومداخلها في المسارين النظري والتطبيقي من خلال مدارسنا، بحيث يمكن أن يتم استثمار المدارس في ترسيخ الجوانب النظرية واستثمار مرافق وورش المعاهد المهنية وكليات التقنية وبعض المصانع والشركات الوطنية في ترسيخ الجوانب التطبيقية، أسوة بالعديد من التجارب والخبرات الدولية في الدول الصناعية التي تطبق هذا النمط من التعليم والتأهيل. إن معطيات المرحلة الراهنة تقتضي منا التفكير وبشكل سريع خارج الصندوق لإعداد مسار ثالث ضمن مسارات التعليم الثانوي في نظام المقررات، يعنى بإعداد الطلاب والطالبات وتأهيلهم لسوق العمل على المستوى المحلي والدولي، ويكون مكملاً للمسارات الحالية في نظام المقررات الثانوي، ويسهم في ردم الفجوة التي ستخلفها مغادرة العديد من الوافدين الذين يشغلون مختلف المهن في السوق المحلية، وسيسهم أيضاً في إحداث شيء من التوازن ما بين التخصصات المكتبية والعلمية والمهنية، وسيرشد الإقبال على المهن المكتبية والإدارية. إن الدعم الكبير الذي يلقاه شبابنا وبناتنا والتحفيز الدائم الذي تبذله قيادتنا الرشيدة بقيادة والدنا وقائدنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين أمير الرؤية الأمير محمد بن سلمان، يعدان مفخرة ونموذجا متفردا ومحفزا لتقديم تجربة عظيمة.