قزمت قطر ذاتها حينما اختزلت الدولة في قناتها الإخبارية، بينما تعملقت القناة حينما وجدت نفسها أكبر من الدولة، حيث تتحصن خلف أجندات استخباراتية خارجية أسكتت وحاربت صوت الضمير الوطني المغلوب على أمره في الداخل، هكذا وصف خبراء الإعلام قناة الجزيرة اليوم، بينما هي في حقيقة الواقع لا تتسم للحاذق الحصيف بصفة العملقة، لأنها قزمت نفسها حينما اختزلت محتواها الإعلامي كبوق ناعق وأداة إعلامية بيد حزب سياسي لا يحظى بالشعبية العربية، ومن هنا حدثت الصدمة بينها وبين المتلقي العربي جراء انعدام الثقة بينهما. الإشكالية التي سعى تنظيم الحمدين في خلقها داخل قناة الجزيرة هي تحويلها إلى مستعمرة من أصوات المرتزقة والروبوتات الإعلامية، ومن ثم توجيه قوالب المحتوى الإعلامي الجاهزة نحو الأهداف العدائية لأشقائها الخليجيين والعرب، تحت مظلة المصطلحات الإعلامية الرنانة كالرأي والرأي الآخر والحرية الإعلامية والرأي العام أو ما وراء الخبر، مستهدفة بذلك فئة العوام وعشوائية الجمهور المتلقي، وهم الأغلبية بين الشرائح الاجتماعية العربية، وقد نجحت بداية تأسيسها في تكوين النموذج الإعلامي الأمثل في الذهنية العربية، فكان لها صدى عميق في نفس المتلقي العربي، ولكن إيقادها النار في هشيم الشعوب العربية أبان ما يسمى بالربيع العربي، وانحيازها المطلق كناعق للإرهاب، وتقديمها المحتوى الإعلامي كصوت دعائي حزبي متحيز تجاه قضايا الإخوان جعلها تفقد أهلية الثقة بزيف شعارها المضلل (الرأي والرأي الآخر)، وساهم كثيراً في تكوين وعي جديد في الذهنية العربية صرفها عن الجزيرة، وأقنعها بالبحث عن الخبر من المصادر الوطنية. بعض من الباحثين في مجال الإعلام الفضائي العربي أكدوا أن شعار قناة الجزيرة (الرأي والرأي الآخر) يراد منه – كما يقال – عصفوران بحجر واحد، والذي أضحى اليوم في مهب الريح بعد تيقن المتلقي بالخداع التسويقي الدعائي لمناصرة القضايا الحزبية أو العدائية، وذلك باختيار الشخصية التي تتمتع بالمهارة اللغوية والإقناع، وتتمكن من لغة الجسد في تمرير قضيتها ومواضيعها نحو العقل العربي، وهذا العصفور الأول، بينما على النقيض يتم اختيار الشخصية التي تمثل الرأي الآخر، وبهذا تستطيع أن تتبجح إعلامياً بمصطلح وشعار الرأي والرأي الآخر كعصفور ثان. إن توجيه قناة الجزيرة وبرمجتها لروبوتاتها الإعلامية تجاه أشقائها الخليجيين والعرب يحاكي تردي الأوضاع العربية المأزومة اليوم، وكانت الدوحة ولا زالت -وللأسف الشديد- مركزاً لهذه الأزمة، وقد خدعها توهمها الساذج أنها في حصانة من تناول أداتها الإعلامية لها، متغافلة أن العقل العربي، ونتيجة لتراكم الأزمات في محيطه الجغرافي، بات يدرك اليوم ما تحوكه الدوحة وجزيرتها من مؤامرات ودسائس على أشقائها وجيرانها. ولو تحدثنا عن مصادر الدعم لقناة الجزيرة، فلا شك أنها تحظى بدعم لا متناه ومفتوح من خزينة النظام القطري، لا تحظى به أي شبكة إعلامية في العالم، وهنا نتساءل لماذا لا تقدم الجزيرة نسختها الفارسية وعلى ذات مستوى الدعم والبنية التحتية، ويتم توجيهها للشعب الإيراني مستغلة بذلك رداءة وتقليدية المحتوى في وسائل الإعلام الإيرانية، أم أن الدسائس والمؤامرات والتلاعب بالعقول موجهة لأشقائها العرب فقط؟!. لقد تلاشت مصداقيتها الإعلامية في ذهنية المتلقي العربي والمسلم لا سيما في التغطية الإعلامية التي انتهجتها في تغطية مناسك الحج، فالمحتوى الإعلامي الذي تعرضه الجزيرة يتم تناوله من حيث تضخيم الإشكاليات الطبيعية التي لا بد من حدوثها في تجمع مليوني بشري، وفي منطقة جغرافية محددة، أو خلق فرقعات وتلفيقات إعلامية مصطنعة، أضحى الفشل مصيرها بعد أن صار الحاج المسلم هو الواجهة الإعلامية للمملكة لكل ما يشاهده في الواقع وما يراه –كمتلق– برؤية العين عند تأديته للمناسك من احترافية في التنظيم، وجودة فائقة في إدارة الأزمات وخدمات تتسم بالتكامل والمجانية، وما يلحظه من تأهب كامل للأجهزة الحكومية وتسخيرها في خدمة الحجيج، ومن هنا سقطت الثقة بين الحاج المسلم وهذا البوق الناعق.