يبدو أن دور النشر المتخصصة في الدراسات والأبحاث، المشاركة في معرض جدة الدولي للكتاب بنسخته الثالثة، لم تتعرض لتراجع نسبة مبيعاتها، مقارنة بالدورتين الماضيتين، فالأحداث والمتغيرات المتسارعة والمتداخلة بين الحقلين «السياسي والثقافي»، ساعدها في تنشيط منتجاتها، المستهدفة ما يمكن الإشارة إليهم ب»النخبة»، أو الباحثين المعنيين بفهم أبعاد ما يحصل، وتأثيره على الهوية والعقلية العربية. فهم الأبعاد «الوطن» جالت بين عدد من الناشرين المتخصصين في رصد وتحليل الظواهر «السياسية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية»، وسألتهم عن مدى الإقبال، ليؤكدوا أن الطلب على الدراسات والدوريات العلمية، زاد خلال الأيام الثلاثة الماضية، مرجعين ذلك إلى رغبة الكثير منهم في فهم تأثيرات ما يجرى على المحيطين المتداخلين السياسي والثقافي. العارض بجناح مركز دراسات الوحدة العربية سعيد البنا، يشير في حديثه إلى «الوطن» إلى أن المتغيرات الجديدة في خارطة الوطن العربي، دفعت العديد من الزوار، الذين يصفهم بالنخبة من الأكاديميين والمتخصصين، إلى الإقبال على اقتناء الكتب التي تطرح أبعادا تحليلية مغايرة. الفلسفة والفوضى تستطيع أن تدرك حجم التأثيرات السياسية وارتباطاتها المباشرة بالمجالات الأخرى من خلال استعراض عناوين الكتب الفلسفية لباحثين، يقدمون من خلالها رؤى متضادة الاتجاهات الفكرية. المغربيان عبد الإله بلقزيز والراحل محمد عابد الجابري، ما زالت منتجاتهم حاضرة، والإقبال عليها متزايد، ويبرر العارض البنا ذلك برغبة القراء في تأصيل مفهوم ما يجري من متغيرات – حتى إن اختلف معها- فكتاب الجابري الشهير «نقد العقل العربي»، ومؤلف بلقزيز في «نقد التراث»، يجدان رواجاً رغم طبعاتهما الكثيرة. الأسلمة والسياسة الإسلاميون والأسلمة تعدان بحسب دور نشر أخرى من الكتب المتخصصة التي تلقى رواجاً، وبخاصة في جوانب تقييم ممارسة بعض الحركات الإسلامية، والتداخل الديني السياسي، وهو ما تبحثه على سبيل المثال الدكتورة كارين لحود ططر في كتابها «الإسلام والسياسة في الكويت»، لفهم الحالة الاستثنائية للإسلام السياسي الكويتي، وهو يسعى لفهم طرائق عمل هذا النظام المعقد وغير النمطي في السنوات الخمسين الأخيرة من خلال تعبئة الحركات الدينية وتكييفها ضمن إستراتيجيات وصياغات جديدة تُبنى عليها مشاركتها السياسية.