إن الإطار الفلسفي هو جوهر البناء المؤسسي، هذه العبارة الرائعة مقتبسة من مقال الدكتور مصطفى الفقي المنشور في صحيفة الأهرام بتاريخ 22 أغسطس 2017، كتب الفقي فيها عن مشاهداته للتجربة الهندية إبان عمله هناك بصفته دبلوماسيا مصريا أو من خلال زياراته الرسمية لها، واصفاً كيف كانت المباني الحكومية الهندية المتواضعة تخفي في داخلها مهنية واحترافية في الأداء والانضباط وكفاءة تشغيلية عالية المستوى، وبالمناسبة سبق مقال الفقي في هذا المسار حديث الأمير محمد بن سلمان ولي العهد الأمين حفظه الله، عندما تحدث في مقابلته الأولى مع قناة العربية عن الفرق بين القواعد الجوية السعودية والأميركية والهدر في الإنفاق على مبان فخمة تؤدي نفس الغرض الذي تؤديه تلك المباني المتواضعة الموجودة في القواعد الجوية الأميركية، لقد لامس ولي العهد الأمين ما شكل أزمة حقيقية في نقاشاتنا وحواراتنا حول التنمية وكتب من كتب، وانقسم الناس ما بين مؤيد ومعارض أمام سيل من الانتقادات والحلول ليخرج من وسط هذه العاصفة الحديث عن التجربة اليابانية ومن ثم الصينية، ويستمر الجدال في تحديد الإطار الفلسفي بينما البناء المؤسسي مستمر بلا هوادة، وفي ظل هذا الزخم كانت تساؤلات كثيرة مقلقة عن مستقبل النفط، وماذا لو أتى اليوم الذي لم يعد فيه النفط المصدر الرئيسي للطاقة وافتقد دوره الحيوي؟ ماذا لو أن أزمتي العراق وليبيا انتهتا وعاد الاستقرار إلى البلدين، وبدا الإنتاج النفطي لهما في ازدياد؟ ماذا لو انتهت أزمة بحر الصيني الجنوبي الذي يقال إنه يحتوي على احتياطات نفطية كبيرة؟ كيف سيكون حال النفط عندها؟ وكيف سيكون حالنا؟ وكيف سنواجه كل ذلك في ظل بقاء رواسب دخيلة على ثقافتنا كانت من نتائج الطفرة الأولى وما جلبته الصحوة من مفاهيم؟ هنا أتت رؤية 2030 لتبدد المخاوف، فهي لا تكتفي بتحديد شكل الوطن في المستقبل، بل شكله ومضمونه من خلال الإجابة عن أسئلة لماذا وكيف وماذا وأين ومتى؟ بطريقة إبداعية مع الأخذ في الاعتبار أفضل الممارسات العالمية والاستفادة من تجارب الماضي بتقييم علمي وموضوعي، إنها رؤية تجعل من أحلام المواطن السعودي حقيقة ملموسة عبر استثمار الحاضر لصناعة مستقبل واعد.