منذ عدة سنوات وقضية توطين العمل الأكاديمي في الجامعات السعودية تطفو على السطح الإعلامي، وكان آخر ذلك ما نشر في «الوطن» بتاريخ 20 أغسطس الجاري حول قيام جامعة الملك فيصل باستخراج «94» تأشيرة لاستقدام أساتذة في عدد من التخصصات بعضها تخصصات نظرية، وذلك من «11» دولة، في الوقت الذي يتطلع فيه الجميع لاستثمار المؤهلين السعوديين من حملة الدكتوراه ممن تخرجوا من جامعاتنا السعودية أو من الخارج أو من برنامج الابتعاث الذي انطلق منذ عدة سنوات، وقد أثار كلام المتحدث الرسمي للجامعة المنشور في 25 أغسطس عددًا من المبررات حول ما أقدمت عليه الجامعة تمثل وجهة نظر الجامعة والعديد من جامعاتنا السعودية، وانطلاقًا من اهتماماتي بقضية توطين الجامعات وقربي منها بل سبق أن قدمت مقترحات لحلها لوزير التعليم السابق والحالي، فإنني أود في هذا الصدد أن أطرح عددًا من النقاط لإيضاح الملابسات حول قضية إحلال السعوديين في الجامعات بشكل عام. - إن المتتبع لإجراءات التعيين لأعضاء هيئة التدريس في بعض الجامعات السعودية يلاحظ أنها بعيدة عن الشفافية؛ فلماذا تحجب نتائج إعلاناتها السنوية لتوطين وظائفها الأكاديمية، فلم نقرأ أو نسمع عن أعداد المقبولين السعوديين بعد تلك الإعلانات التي تنشر على استحياء في مواقعها على الشبكة العنكبوتية - إلا القليل منها-. - تتحجج معظم الجامعات بأنها لا تريد أكاديميين ممن هم على رأس العمل في وظائف حكومية، ولا أدري هل هناك في النظام ما يمنع من ذلك، أم أن من تستقدمهم من الجنسيات الأخرى ليسوا موظفين في دولهم. - أيضا تشترط معظم الجامعات امتداد التخصص للمواطن المتقدم لوظيفة أكاديمية، فهل هذا الشرط يطبق على المتعاقدين، بل هل كل من يعمل حاليًا من السعوديين في جامعاتنا كذلك، علما بأن هناك العديد ممن لا ينطبق عليهم ذلك الشرط العقيم. - تتحجج بعض الجامعات -وآخر ذلك ما نشرته جامعة الملك فيصل- بأنها لا تريد إلا من تدرج وظيفيًا لديها في وظيفة معيد ثم محاضر ثم أستاذ مساعد... وهنا نتساءل هل كل من حصل على الدكتوراه ممن وافقت وزارة التعليم والخدمة المدنية على دراساتهم العليا بل وتم تفريغهم لذلك، وبعد ذلك تم اعتماد شهاداتهم العلمية ومعادلتها وتسجيلها رسميًا ليسوا أكفاء لهذه المهنة، وأن كل من تدرج وظيفيًا في الجامعات أفضل منهم، وبأي نظام وبأي حجة يتم حرمانهم من توظيف ما تم تأهيلهم عليه، أم أن إهدار ما قدمته الدولة مشكورة من خطط وأموال ونفقات وجهود لتنمية أبناء هذه البلاد المباركة ليخدموا وطنهم أمر لا يعني الجامعات السعودية ووزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل، ولو سلمنا جدلًا بوجاهة هذا الشرط وأهميته فلماذا تعلن تلك الجامعات عن حاجتها لأكاديميين سعوديين طالما أنها لن تقبلهم باعتبارهم ليسوا ممن تدرج فيها أكاديميا، أم أن الإعلان هو للالتفاف على النظام الذي يمنع شغل الوظيفة بمتعاقد إلا بعد عدم توفر مواطن مؤهل لها!. - تشترط معظم الجامعات لقبول عضو هيئة التدريس ألا يتجاوز عمره سنًا معينًا، فهل جميع المتعاقدين تقل أعمارهم عن ذلك العمر المحدد أم أن للجامعات نظامًا مخالفًا لنظام الخدمة المدنية ومصلحة معاشات التقاعد. - تقول الجامعات إنها تلجأ للمتعاقدين بشكل مؤقت ولسنوات معدودة لسد العجز، فماذا عمن بلغت خدماتهم أكثر من ثلاثين عاما في بعض التخصصات النظرية وغيرها. - تلجأ بعض الجامعات إلى حجة أهمية التنوع الثقافي الأكاديمي، وهل استقدام كل هذه الأعداد من كل هذه الدول هو الكفيل بذلك، أم أننا نريد النوع لا الكم! - لو كان كل من تم استقدامه للجامعات السعودية من ذوي التخصصات النادرة أو الكفاءات المميزة لقبلنا ذلك، فكيف تستقدم الجامعات في تخصصات نظرية وشرعية ولغوية واجتماعية تفتخر جامعاتنا السعودية بأن خريجيها في مثل هذه التخصصات ينافسون عالميا. - لا توجد مواءمة بين مخرجات الجامعات من خريجي الدراسات العليا وأيضا برنامج الابتعاث مع حاجة الجامعات من الأكاديميين، وهذا يتطلب وقفة جادة من الوزارات المعنية لتقليل الفجوة بينهما، خاصة أن لدى وزارة الخدمة المدنية قاعدة بيانات في نظام «جدارة»، مما يتطلب ربطها بطلبات الجامعات لأعضاء هيئة التدريس، علمًا بأن المتحدث الرسمي لوزارة التعليم قد صرح مؤخرًا بأنه لا تعاقدات مع الأجانب في الجامعات إلا بعد الرجوع لقوائم الانتظار من المواطنين المؤهلين، ولا أدري أي قوائم يقصد؟. - يلاحظ أن بعض الجامعات تحدد من تريد استقدامه أولا ثم تتقدم لوزارة العمل لتستخرج التأشيرات لهم، والدليل على ذلك أن إحدى الجامعات قد بيتت النية على استقدام أشخاص بعينهم ومن ثم قامت باستخراج التأشيرات بالأعداد وجهات القدوم وفق ظروفهم. - كفاءة أبناء الوطن ممن درسوا خارج البلاد شهدت لهم الجامعات العالمية وللأسف عندما يعودوا إلى الوطن تقف بعض الجامعات بشروطها التعجيزية أمام قبولهم، بل وتفضل المتعاقدين الذين درسوا وتخرجوا من نفس جامعاتهم عليهم. - لا أدري ماذا سيحدث لو تم إلغاء بدل الندرة الذي تتمسك معظم الجامعات ببقائه، وتحارب لتخفيض نسبة السعوديين في أقسامها لأجل الحصول عليه، فهل ستكون نسب المتعاقدين بعد ذلك كما هي الآن. - لم نسمع عن إبداعات واختراعات وأبحاث ذات جودة عالية أنجزها المتعاقدون في جامعاتنا تبرر استقدامهم وبقاءهم كل هذه الفترة الطويلة وبهذه الأعداد والنسب الكبيرة. - المواطن في كل دول العالم أولى بالوظيفة من الأجنبي، وهذا ما نصت عليه المراسيم السامية الكريمة والأنظمة والتعليمات في بلادنا الحبيبة، ولكن للأسف الشديد يتملص العديد من الجامعات من ذلك بطرق مكشوفة. - عندما يتظلم المواطن من أي جامعة لعدم قبوله فيها تتم إحالة معاملته لوزارة التعليم ومن ثم الجامعة نفسها فيكون الخصم هو الحكم !.