تعاني أكثر من 15 قرية وهجرة، ب"آل مقرح"، بمركز "الحرجة" شرق منطقة عسير، من نقص كبير في الخدمات البلدية والصحية والتعليمية، وسواها من خدمات الاحتياجات الحياتية الأخرى، مما زاد المعاناة على سكان تلك القرى (الغول، شيبة مسورة، الدافعة، المنامة، مرحض، جيسان، الحنكة، الكلية، الفرع، المذرح، نهاد، الواغرة، المعقر، ضبع، الجفجف)، والتي يبلغ عدد قاطنيها أكثر من 4 آلاف نسمة، موزعين على أكثر من أربع قرى رئيسة، و11 هجرة. مما أدى إلى هجر بعض السكان لمنازلهم والهروب إلى محافظات المنطقة الأخرى، بحثا عن خدمات أفضل. صحة متهالكة "الوطن" كانت في جبل الغول، الواقع على بعد 35 كلم من "الحرجة"، حيث تحدثنا إلى هادي بن علي آل مقرح، وعلي بن سعيد بن مسفر، اللذين اشتكيا من "واقع الحال"، فعلى سبيل المثال، المركز الصحي يقع في مبنى مستأجر، ولا يوجد فيه سوى طبيب وممرضتين فقط، إضافة إلى مدير للمركز، يستعينون فيه بسيارة إسعاف قديمة، "ضررها أكثر من نفعها على المرضى"، مشيرين إلى أن "الأهالي تقدموا بشكوى إلى مدير عام الشؤون الصحية بعسير الدكتور عبد الله الوادعي، لتشغيل قسم الطوارئ بالمركز، على الأقل إلى الساعة الثانية عشرة ليلا، وزيادة عدد الأطباء، وإيجاد طبيب للأسنان، وطبيبة للولادة والنساء، ولكن بدون رد يذكر، سوى الوعود". مشددين في ذات الوقت على ضرورة "فتح مستشفى للكثافة السكانية في القرية، والتي يفوق سكانها أكثر من ألف شخص"، كاشفين عن أنهم "متبرعون بأرض للمستشفى على حسابهم الخاص". شوارع مهترئة شوارع فرعية بدون سفلتة، وطريق عام يمر بوسط القرية مغطى بالأتربة، يقول عنها مفرح بن مسفر آل هادي، إنه "منذ سنوات طويلة والأهالي في عناء من مراجعة الدوائر الحكومية في عسير وبلدية الحرجة، من أجل استحداث مكتب للخدمات البلدية، حيث لا توجد حاويات للبلدية، مما يجعل الأهالي يقومون بإبعاد النفايات بسياراتهم الخاصة، إلى المواقع المخصصة للنفايات"، موضحا أن "تواجد سيارات البلدية بشكل محدود، مما يشكل خطرا على السكان والأطفال"، هذا فضلا عن "عدم وجود سفلتة داخل الأحياء والطرق الفرعية، وعدم توفر الإنارة بالقرب من المنازل، وفي الشوارع المؤدية لتلك المنازل، مما حدا بعدد من الأهالي إلى إنارة الشارع الخارجي لمنزله على حسابه الخاص". مدارس مكتظة المشاكل لا تنتهي عند هذا الحد، بل تطال قطاع التعليم، حيث اشتكى عدد من الأهالي، ومنهم صالح جبران، ومحمد مشبب يحيى، من كون مدارس البنات موحدة في مبنى واحد، دون مراعاة للفروق الفردية والعمرية بينهن، "مما يشكل خطرا على الصغيرات"، إضافة إلى "نقص المعلمات في تلك المدارس، وعدم توفر النقل المدرسي، رغم وجود أكثر من 300 طالبة في جميع المراحل". شحُ المياه كثيرا ما يعتمد الأهالي على شرب المياه من الآبار، التي قاموا بحفرها. فترى عند كل منزل بئرا، وغالبها جفت، حيث قام الأهالي بإنشاء سد ترابي على حسابهم الخاص منذ سنتين. وهذا السد بحسب علي بن جلهم آل معنية، كان مخصصا للقرية، "يرفده عدد من وايتات الماء التي توزعها مديرية المياه بظهران الجنوب، ولكن سرعان ما سحبت دون معرفة الأسباب، مما جعل الأهالي يقومون بهجر القرية، والاستئجار في محافظات المنطقة الأخرى" لشح المياه. سياحة منسية بالرغم من كل هذا الإهمال، إلا أن الطبيعة المحيطة بالمنطقة، تجعلها مؤهلة لأن تكون وجهة سياحية، كما يوضح لنا عوض بن جبران بن مسفر، وسلمان بن عميش آل مقرح، كاشفين عن أنه "يوجد بقرية جبل الغول متنزهات ومواقع سياحية تجذب الزوار، وتطل على الساحل التهامي من جهة الفرشة والربوعة، وجمالها يفوق جمال السودة، لكنها لا تحظى باهتمام من الهيئة العامة للسياحة بمنطقة عسير، أو بلدية الحرجة"، مطالبين ب" إقامة متنزه عائلي للأهالي، مطل على تلك الجبال الخلابة، خصوصا أنه يوجد بها مستأجرون من المعلمين والأطباء، وغيرهم من الزوار لتلك القرى". إضافة إلى وجود "أحد أكبر الأودية، وهو وادي نهاد. إلا أنه يعاني من عدم سفلتة الطريق المؤدية إليه". طريق "الدافعة" تواصلت الرحلة إلى قرية "الدافعة"، والتي يكتظ بها أكثر من ألف شخص. وعند وصول "الوطن"، تجمع الأهالي مطالبين ب"حزمة حلول للقرية"، ومنها "سرعة إنجاز مشروع المدرسة الابتدائية، التي تعثرت بعد أن أنجز العمل بها بنسبة 5% فقط"، مشددين على أهيمة "فتح مدرسة متوسطة للبنات، لكثرة الطالبات بالمدرسة الابتدائية، إضافة إلى عدم وجود مدرسة للبنين للمرحلة المتوسطة، على الرغم من وجود مبنى حكومي لطلاب المدرسة الابتدائية بالقرية، يتسع للمراحل المتوسطة والابتدائية معا. حيث يقوم أكثر من 38 طالبا من قرية الدافعة وشيبة مسورة، بقطع مسافة 30 كلم ذهابا وإيابا بسياراتهم الخاصة، دون توفر وسيلة نقل لهم، في ظل وجود عقبة من ناحية راحة سنحان". لا مكان للهاتف شبكة الهاتف الجوال، أو شبكة الهاتف الثابت، لا وجود لها في القرية، بالرغم من التطور المتسارع في قطاع الاتصالات، مما جعل "الدافعة" تنقطع عن العالم الخارجي، ويفقد أبناؤها التواصل مع ذويهم الذين نزحوا لقرى ومدن أخرى. سدٌ طيني يحيى بن عوض آل مقرح، يروي ل "الوطن" حكاية سد القرية، مبينا أنه "بني على حساب الأهالي منذ ثلاثين عاما، ومن الطين والتراب، حيث يقوم بحفظ المياه عند هطول الأمطار، مما يجعل الآبار التي على طريقه تحتفظ بالمياه، حيث يقع في أعلى القرية، مما يشكل خطرا على السكان في حال ارتفاع منسوب المياه". مشيرا إلى أنهم قاموا ب"مراجعة المديرية العامة للمياه بعسير، وصدرت الموافقة على إنشاء سد حكومي بالقرية، وتم البدء فيه من قبل إحدى الشركات الوطنية منذ ثلاث سنوات، ولم يبقَ سوى ثلاثة أشهر على مدة المشروع، إلا أن نسبة الإنجاز لم تتعدَ 5%". لا هلال ولا دفاع ومما زاد المعاناة على أهالي القرية، كما يوضح فرحان بن جابر آل مقرح، هو غياب مركز للدفاع المدني، وآخر للهلال الأحمر، خصوصا أنه وقع العديد من الحرائق، حيث قام المواطنون بإطفائها، قبل وصول آليات الدفاع المدني والهلال الأحمر، الذي يبعد عن قريتهم مسافة 40 كيلومترا. صهاريج ملتهبة "الآبار نضبت من المياه، وتعاني كافة القرى والهجر من شح المياه"، يقول يحيى بن ناصر هادي، مضيفا "نطالب مدير فرع المياه بظهران الجنوب، بحفر آبار للمواطنين، وحفر بئر ارتوازية في كل قرية، لكي تقلل من عناء الأهالي، الذين يقومون بجلب وايتات المياه من مركز الحرجة، ومن سراة عبيدة، ومن ظهران الجنوب، بما لا يقل عن 500 ريال للوايت ال14 طنا، في الأيام العادية". كما أن نضوب المياه من الآبار، جعل المزارعين يهجرون مزارعهم، والتي تشكل مصدر دخل رئيس لعدد كبير منهم. شيبة مسورة واصلنا طريقنا إلى قرية "شيبة مسورة"، والتي لم يكن حالها بأفضل من سابقاتها، حيث يعاني سكانها من شح المياه، فلا يوجد بها سد أو بئر يعتمد عليها السكان!. ولا يقف الأمر عند المشكلات التي يعاني منها الأحياء، بل طال الأمر الأموات، حيث يوضح سعيد بن جابر مضواح، أن "المقابر بالقرية تفتقد الأسوار، حيث قام الأهالي بتسويرها قبل عشرين عاما، بسور من الأحجار والأسمنت، وقد انهدمت أسوارها في ظل عدم تحرك بلدية الحرجة، لحفظ حرمة القبور والموتى، حيث دخلتها الأغنام، وعبثت بها، في ظل عدم استطاعة الأهالي تسويرها". مشاكل متراكمة المشاكل متراكمة ومتعددة، بحسب زراب مفرح محمد، ف "لا إنارة داخلية للشوارع، ولا سفلتة، ولا حاويات بالقرية، مما أزعج الأهالي، الذين يقومون بإبعاد النفايات بسياراتهم الخاصة، خصوصا أن سيارات البلدية تزور القرية في الشهر مرة واحدة". ويشير جابر علي يحيى، إلى أن "مسجد القرية تبرع به فاعل خير، إلا أنه لم تصل له كهرباء حتى الساعة". قرية المنامة وصلت الرحلة إلى المحطة الأخيرة، بقرية "المنامة"، حيث استقبلنا الأهالي وكأننا أصحاب الحل والعقد، مطالبين بلدية الحرجة بتلبية احتياجاتهم. يقول علي بن سعيد بن فائع "يوجد في القرية طريق مسفلت يتسع لسيارة واحدة فقط، يعترضه عدد من الأودية، مما تتسبب في إقفاله أثناء هطول الأمطار، فيما يقوم الأهالي بفتحه على حسابهم الخاص"، هذا فضلا عن مشكلة أخرى لا تقل أهمية بنظرهم، وهي "عدم توفر وسيلة نقل لطلاب المدارس إلى مركز الحرجة، حيث يقومون بالذهاب بسيارات آبائهم إلى مدرسة الحرجة الثانوية، في ظل غياب المدارس بالقرية، ويقطعون بشكل يومي مسافة 60 كيلومترا ذهابا وإيابا،ً فيما البعض ممن لم يجد سيارة، يتغيب عن المدرسة بسبب عدم وجودها". استجابة قريبة من جانبه، قال محافظ ظهران الجنوب، محمد بن حمود النايف في تصريح إلى "الوطن" إنه "سيتم افتتاح مركز إمارة بجبل الغول في العام المقبل، حيث سيخدم الأهالي والسكان والقرى المجاورة، وسيتبعه عدد من الخدمات بعد استحداثه"، مشيرا إلى أن "هناك اجتماعات للمجلس المحلي بالمحافظة، مع كافة المسؤولين لرصد نقص الخدمات لجميع المواطنين بالمحافظة، وتعميد الدوائر الحكومية، بإيصال ما يمكن إيصاله من تلك الخدمات، والرفع للمسؤولين بمنطقة عسير، لتوفير تلك الاحتياجات للأهالي". تحرك المجلس البلدي رئيس المجلس البلدي بمركز الحرجة، الدكتور منصور بن عوض القحطاني، أكد أنه وكافة أعضاء المجلس زاروا قرى وهجر آل مقرح بتهامة قحطان، واستمعوا إلى مطالبات وشكاوى الأهالي، حيث تم "رصد نقص العديد من الخدمات البلدية، وتم عمل محضر بذلك، وعمل المجلس توصيات بها لدراستها، لإدراجها والعمل بها في القريب العاجل، لتلبية احتياجات الأهالي". كاشفا عن أن "عدداً من أهالي القرى رافقوا الأعضاء خلال الجولة التي نفذت، وأوضحوا الخدمات التي ينتظرونها في مختلف المجالات". مبينا أن الجولة "أثمرت إقرار سفلتة الطريق المؤدي لقرى الغول والدافعة، إضافة إلى التوصية بإيصال الأسفلت لمخطط الغول خلال مشروعات العام المالي الحالي، وتوجيه بلدية المركز بتعزيز خدمات الرش والنظافة".