إن الملاحظ لمستوى النقاش في وسائل التواصل الاجتماعي يرى أنه انحدر إلى مستويات من العدوان اللفظي، والسخرية المقيتة، والشخصنة المبتذلة والتي وصلت إلى درجة ممجوجة، فتستخدم عبارات كالقدح في الأنساب لمن لا يعجبه رأيه في موضوع رياضي، وعبارات توحي بالمروق من الدين في موضوع يتعلق بمناقشة شأن اجتماعي أو تاريخي، وآخر يستخدم مفردات مثل (الإمعات وأبواق الغرب) على من لا يعجبه حاله في إطار مطالباته باللحاق بالعالم المتحضر، وبالمقابل عبارات مثل (المتحجرين، المتخلفين) على المنافحين عن التراث والأصالة، ويرون أنها هويتنا التي ينبغي المحافظة عليها. ورغم كل هذه الخلافات التي توحي بأنهم ليسوا نسيجا واحدا، ولا مجتمعا متجانسا، إلا أن المشترك بينهم جميعا يمكن حصره في جوانب سلوكية تطغى على أسلوب النقاش، ولعل أظهر هذه السلوكيات أن كمية العدوان نحو الآخر طاغية، وعدم الرغبة في التصالح مع أحد حتى مع الذات، تواكبها براعة لغوية وتفنن في استخدام الألفاظ التي تحط من قدر الآخر، رغم أنه في كثير من الأحيان لا يعرف معنى المفردات التي يستخدمها، وغالباً لا تنطبق على الآخر. ويميل هؤلاء المتفذلكين إلى استخدام آراء وأقوال الآخرين في المحاجة، وقليلاً ما يكون لأحدهم رأي شخصي يمثله، فهو تابع للصوت الأعلى، منجر خلف ضجيج الجماهير، وباحث عن الجماهيرية، وهو دائماً بعيد تماماً عن الفكرة محط الخلاف، فيناقش كل ما يحيط بها إلا هي، ونادراً ما تجد تحليلاً للفكرة وتبيان جوانب الصحة والخطأ فيها، وإمكانية قبولها جزئياً والتعديل عليها، فالرفض كامل، والولاء كامل، والعنوان حوار ونقاش، لكن حقيقته لا تتجاوز حلبة مناطحة ثيران، الرابح الوحيد فيها الجالس خارج الحلبة. إن العظمة والأفول والتقدم والتخلف للأمم تُقاس على محورين: المحور الأول: محور التفاعل الداخلي بينهم، حين تجد التقبل للآخر أقرب من الإقصاء، والحوار أبعد عن الجدل، والتفُّهم يغلب المغالطة. فالتفاعل بين الأفراد إن لم تكن ثمرته فكرة جديدة، فهو مجرد طلقات تفريغ في الهواء إن لم تصب أحداً بالخطأ أو ترتد إلى صاحبها فضررها أكثر من نفعها. المحور الثاني: محور الإنتاج والتنمية، حين يكون المجتمع قادراً على الإنتاج والإبداع، فينتج الفكرة والفتوى والقصيدة والكتاب من خامات واقعه وتراثه، ثم يطورها بما يخدم تطوره ورقيه، وليس لديه مانع من الاستفادة من المنتج الإنساني للآخر وإعادة تشكيله وإنتاجه. وحتى الآن نحن مجرد مستهلكين وعالة على العالم الأول شرقاً وغرباً، فهم من اكتشف نفطنا، واستخرجه، وصنع الآلات التي تعمل به، ثم شروه منا، ودفعوا الثمن النقدي، فيما نحن ندفع ثمن كل ذلك سمنة وترهلاً واتكالية. ولعلنا نستطيع أن نجرب إيقاف إنتاج النفط لعام كامل، لنرى صورتنا في المرآة كيف سنكون بعد نفاده، سيختفي المكياج، والديكور، وتتساقط الأقنعة، ويظهر الفحم أو الجوهر. وقد تداركت القيادة ذلك بخطط وإجراءات لتوظيف طاقات أبناء البلد نحو الإنتاج والتنمية، ويجب أن يواكب ذلك إدراك وتثمين لقيمة العمل من قبل الأفراد، وتسخير طاقاتهم الذاتية نحو ما يفيد بدل هدرها في مراقبة واقتناص هفوات الآخر، وتتبع الأضواء المبهرة. أخيراً الفضل يعود لوجهة النظر التي تراها خاطئة في إنتاج وجهة نظرك، فلو لم توجد تلك الفكرة وتستفزك لما خرجت للوجود فكرتك المعارضة التي تراها الصواب.