من بيت الحكمة والصبر، ومن مهد الصبا، ومنبع الأحلام والذكريات الجميلة، واللحظات الرائعة، والأيام الخالية، والأنس الذي لا حدود له، والحنان الوافر، والسعادة الكبيرة الغامرة. بمنبع الطيب والحب والحنان والأصالة والنفس الزكية، والقلب النابض الذي غمر من حوله بالحب والعطف والرحمة والتسامح. عاشت يتيمة، واستقت من الحياة دروسا عظيمة، وصنوفا من العبر والذكريات الملهمة، فصنعت منها شخصية لا مثيل لها، الكل ينشُدها ويأنس بجوارها ويطيب لحديثها، صغيرا كان أم كبيرا، إنها كذلك حتى رحلت «رحمها الله رحمة واسعة». لقد سجلت صنوفا من السجايا الرائعة، كجمال الأخلاق، والأدب الجم، والاحترام للآخر، والورع والزهد، وحسن الظن بالآخرين. تضفي جمالا إلى جمال، بأياديها البيضاء تصنع المعروف وتخفي سرائره، فكانت إلى الله أقرب وأقرب حتى لاقت جوار ربها. أحبت الناس وأحبوها، أولت الشفقة للفقراء، فقربتهم واهتمت بهم، وقدمت يد العون لهم على نفسها، وتلمست حاجاتهم ومطالبهم منذ عقود من الزمن، عاما إثر عام، تنفق بسخاء، وتنشد رضا الرب سبحانه وتعالى في القول والعمل والأجر الكبير دون مقابل. رحلت عني فأضحت أمامي لحظة بلحظة، أترسم صورتها الجميلة، وبسماتها الجاذبة، وكأنها على قيد الحياة، أستنشق رائحتها العطرة، وأسمع صوتها النديّ يتردد على مسمعي بين فينة وأخرى، وكأنها وسط الدار، بل وفي صحبتي خلال زيارة الأقارب والمرضى وما شابهه، وفجأة أجد نفسي وحيدا، ذاك الذي بات في تسارع محموم وسراب متلاحق دون الوصول إليها، رغم الالتفاتة يمنة ويسرة، فمهما جال فكري أو تحركتُ نحوها هنا أو هناك، فلا أكاد الوصول، فأقف هنيئة، وأتذكر رحيلها، فأستغفر الله، وأدعو لها بالرحمة والمغفرة والعتق من النار. إنها أمي الحبيبة «قبيلة بنت دخيل الرومي». رحلت وتركت فراغا أبديا في حياتي.