التبرير حالة دفاع عن النفس للمحافظة على مكانتها واحترامها عند الآخرين، كما هو أسلوب لإرضاء الذات والتنصل من المسؤوليات لاستساغة الفعل، ويكون أحيانا بهدف تحميل هذه الأسباب للآخرين!، وهو تفكير عقلي عادة واع، وإن ظهر أحيانا بردات فعل تبريرية عاطفية حادة. يذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، باتهام كل الظروف وتحميلها أسباب مشكل ما في أحيان، ومن هذه الحالات التبرير الذي نسلكه في حياتنا اليومية، والذي هو تفسير مجهد لمواقف خاطئة لإعطائها أسبابا «منطقية» لتبريرها وحذف المسؤولية عنه، وهو هرب من الحقيقة إلى الوهم. فالرسوب في المدرسة ليس سببه فقط قصور المنهج أو الأستاذ، والحادث المروري ليس سببه فقط الإشارة الضوئية أو خطأ السائق الآخر، وفشل العلاقة الزوجية له أسبابه وتعليقه على رقبة أحد الزوجين هو تبرير لارتياح الضمير!. فضلا أن التبرير لموقف خاطئ ما يحتاج إلى جهود فكرية غير عادية، لإثبات صحتها وتمريرها، فهي في الوقت ذاته متعبة جدا إذا ما تكررت، فتعكر صفو العلاقة بل قد تتعداها إلى طرح الثقة جانبا بمن يبرر دائما. فتتعكر كثير من علاقاتنا الاجتماعية والوظيفية وحتى الأسرية، بسبب الاهتمام البالغ في تبرير المواقف والأخطاء، عوضا عن الاعتراف بها والاعتذار السريع، أو بدونه يتم تجاوز المسبب وتستمر الأمور بصفاء، إلا أن معظمنا يحاول جاهدا تبرير مواقفه، ويقاتل فكريا من أجل إثبات صحة موقفه أو تصرفه الذي قد يكون بيان خطئه أوضح من شمس بغداد في شهر آب! نبحث جميعا عن حلول عادة لمشاكلنا ومواقفنا وهذا أمر طبيعي، ومن يتمتعون بتفكير متزن يبحثون حلولا إيجابية شاملة وغير سطحية ومؤقتة. معظمنا يحاول أن يبرر مواقفه لتبرئة ذمته من تحمل مسؤوليته تجاه ما يفعله هو. ليس عيبا أن يقول الإنسان: نعم أخطأت، أو أن يقول للطرف الآخر: نعم، لديك الحق. أصبت. لا تشتكي هذه الكلمات من عيب ما، إنما الإصرار على الموقف وتبرير صحته بكل ما أوتينا من قوة هو من أسوأ أنواع التفكير. في دول ومجتمعات تحاول التعلم من الأخطاء، تجدها تدفع ملايين الدولارات لمعرفة سبب خطأ ما لأي حادث تسبب في أضرار أو حتى إن لم يتسبب، رغم أن الخطأ وقع والخسارة حقت وانتهى الأمر ولكن لا، معرفة الأسباب تفيد في مراجعة تامة لتلافيها في مراحل قادمة. تجد عمليات الإحصاء من أرقى العلوم التي تتابع كل مجالات الحياة، لتعطي أرقاما صحيحة تفيد في تصليح الأخطاء، إن وجدت، وفي رسم خطط مستقبلية تعتمد على النسب في هذه الإحصاءات المختلفة! ثقافة التبرير الفردية أصبحت ثقافة مجتمعية خالصة، وحتى سياسية، عوضا عن العمل على إزالة أسباب أي إشكال، تجد الأعذار والتبرير جاهزين على ألسنة المسؤولين والموظفين وغيرهم، يرونها تصريفا وينسون أن المشكل ما يزال قائما، سيواجهونه مرة أخرى، بل مرات، وقد يتسبب في كوارث قبل المبادرة في الحل. عادةً، هذه ثقافة «يتحلى أو يتجمل» بها البعض، وهي ليست بجميلة مطلقا. الأجمل أن ندرب أنفسنا على تقبل سوء تصرفنا والاعتراف به، أو حل مشاكلنا بالاعتراف بها وتشخيصها لإيجاد الحلول المناسبة لها. فالتبرير قائم أصلا على تعليق أسباب أي إشكال برقبة الآخر، عسى أن يتحمل ولو جزءا من المسؤولية الأخلاقية! مواجهة الأمور كما هي والنقاش الحر حولها هو أسلم طريق للابتعاد عن التبرير المستمر والمتكرر، الذي يصبح مملولا حتى لو كان صادقا. فمواجهة أي موقف كحالة طبيعية نمر يها هو أفضل طريقة لإيجاد الحلول بعيدا عن التبرير. كما أسلفنا، فالتبرير يستهلك الطاقات ويموه الحقائق ويطمس الحلول ويبتعد بصاحبه عن الموضوعية الفكرية، وهذا يتناسب طردا مع إصراره على التبرير المستمر والإسراف فيه، لدرجة أنه لم يعد يرى في نفسه سببا في أي خطأ. نقول، إن بعض الظروف قد تجبر الإنسان وتضطره للتبرير وما يقود إلى الكذب لاحقا، وهذا يتعلق كثيرا بظروف الأطفال الذين لا يستطيعون مقاومة الاستجواب والضغط المتكرر عليهم من محيطهم، فعندما يشعرون بالخوف يلجؤون إلى التبرير والكذب لاحقا للتخلص من عقوبة تنتظرهم، وهنا الحق لا شك يقع على عاتق المربين من آباء ومدرسين وغيرهم ممن يقع الأطفال تحت تربيتهم. التبرير واختلاق المبررات واصطناع الأعذار هو مفتاح الكذب، فلا تبرر كثيرا.. وعش كما أنت إنسانا صادقا حقيقيا لا مزيفا!.