منذ خمس سنوات كان ذكر اسم نوري المالكي لا يثير سوى القليل من الاهتمام في أروقة السلطة في العراق، أو قد لا يثير الاهتمام بالمرة. لكن هذا المدرس السابق العنيد سيتولى الآن رئاسة وزراء العراق لمدة أربع سنوات جديدة. وتشير قصة الصعود الصاروخي للمالكي إلى عدم القدرة على التنبؤ بالسياسة في عراق ما بعد صدام حسين، وعناد السياسي الذي خسر الانتخابات لكنه تمسك بالسلطة. وقال النائب كاظم الشمري من كتلة العراقية "كان المالكي قادرا على حشد عدد كبير من الكتل والجماعات السياسية حوله، من بينهم أعداء الماضي"، مضيفا أن مناورات المالكي كانت ماهرة "كما أنه كان بارعا للغاية في الاستفادة من أخطاء كتلتنا". وصعد المالكي(60 عاما) وحاصل عل درجة الماجستير في الأدب العربي ويتسم بإرادة فولاذية، إلى السلطة في 2006 كمرشح يمثل حلا وسطا مدعوما من الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، ولكن سريعا ما اتضح أن هذا السياسي ليس خصما ضعيفا. واتهم المالكي من قبل العديد من السنة بأن لديه ميولا طائفية. ومن المفارقة أن المالكي استطاع فيما بعد تحييد أحد أبرز داعميه الشيعة عندما دعم الهجوم الأمريكي العراقي على ميليشيا جيش المهدي التابعة لمقتدى الصدر. كما استطاع عقد علاقة وثيقة مع الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش. ولد المالكي في يونيو 1950 في قرية بالقرب من مدينة الحلة جنوب بغداد. وفر المالكي من نظام صدام حسين عام 1979، قبل عام من الحكم عليه بالإعدام غيابيا لعضويته في حزب الدعوة وعاش في المنفى بين إيران وسوريا. وخلال وجوده في سوريا صعد المالكي سريعا في صفوف حزب الدعوة، وأصبح الممثل الرئيس للحزب هناك. وعاد إلى العراق في أعقاب الغزو الأمريكي عام 2003، وعمل مستشارا لسلفه رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري. ثم فاز المالكي بالمنصب الرفيع بعد إخفاق الجعفري في الحصول على فترة ولاية ثانية. وفي عام 2009، وتحديداً في أعقاب الهجمات العسكرية التي ساهمت في تقليل حدة العنف، أحرز حزب المالكي انتصارا مدهشا في الانتخابات البلدية على مستوى البلاد، وهو الانتصار الذي كشف ضعف منافسيه الشيعة. وقطع المالكي علاقاته مع شركائه الشيعة، الذين اتهموه بتخطي حدود سلطاته وعدم إشراكهم في السلطة. كما كان الأكراد محبطين بنفس القدر، متهمين المالكي بتبني أسلوب حكم دكتاتوري، اتخذوا موقفا متصلبا تجاه معارضته لما يعتبرونه حقهم في التعاقد مباشرة مع الشركات الأجنبية على استكشاف النفط في منطقتهم التي تتمتع بحكم ذاتي شمال العراق. لكن انتهازية المالكي السياسية خدمته أيضا. فخلال ترشحه للانتخابات وقف على الحياد فيما قامت لجنة يقودها الشيعة بإبعاد الموالين لصدام حسين بعيدا عن المناصب العامة وبحرمان العشرات من المرشحين السنة من الانتخابات. ثم ركز بعد ذلك على التفاوض مع حلفائه المحتملين، ومن بينهم أعداء سابقون ومنتقدون بارزون، للتقليل من قيمة الفوز المفاجئ لكتلة العراقية بزعامة إياد علاوي. وطالب المالكي بإعادة إحصاء الأصوات في بغداد، ونجح في ذلك، كما حصل على حكم قضائي بأن التفويض بتشكيل الحكومة يذهب إلى أكبر كتلة من الأحزاب، وليس لحزب واحد يحصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان الجديد.