قمة التناقض حينما يقول شخص ما "وطني افتديه بروحي ودمي" ويتغنى بحبه ليل نهار، ثم تجده من أكثر الناس ممن استمرؤوا عملية "انتقاد الوطن" بمناسبة وغير مناسبة، وكأنه لا يرى في وطنه إلا السلبيات وجوانب القصور، بينما الصور الإيجابية والمنجزات التي تحققت في عمر الوطن القصير، قياسا بأعمار دول كثيرة لم تحقق ما حققه، فهو لا يراها، وقبلا، حتى لا يفهم مقالي خطأ، فأنا لا أعترض على النقد الهادف البناء حين يكون هدفه الإصلاح، والذي يكون مصدره حب الوطن والخوف عليه، ويفضي إلى طرح حلول معقولة، ومسايرة للأوضاع المعاشة، ولا تخالف منهج الدولة الديني والاجتماعي والسياسي، ولا يشوبه شيء من التهكم والسخرية والازدراء لرموز الوطن وتاريخه، ولا يتحول إلى مجرد حفلة لجلد الذات، ورسم دوائر من الشكوك والريبة حول الخطط المستقبلية، والمشروعات القادمة، فهذا نقد مقبول ومطلوب. إلا أنه مع الأسف بعض ما نقرؤه ل"جوقة المعترضين" على خطط رؤية 2030 وغيرها لا يعدو أكثرها سوى السير بعكس المجتمع على طريقة "خالف تعرف"، وبدافع البحث عن الشهرة أو الانتصار لمواقف تدفعها انتماءات فكرية، وكأنه يقول "يا تأخذون برأيي يا أفكاركم بالية"، وفي غالبيتها تهييج للرأي العام، وبعض المنتقدين كنا نقول لهم: انظروا من يصفق لطروحاتكم، إما أصحاب حسابات وهمية، أو أشخاص لديهم نقمة على الوطن. خلاصة كلامي في هذه الجزئية، أن النقد الهادف العقلاني مقبول، ولا أحد يعترض عليه، ورضي الله عن عمر الفاروق يوم قال "رحم الله من أهدى إليّ عيوبي"، وولاة أمرنا، وفقهم الله وحفظهم، من أكثر المسؤولين في بلادنا حرصا على أن تكون أبوابهم مفتوحة، ويرحبون بتقبل النقد الصادق، ويقبلون التشاور والمشورة، ويحضّون على تبادل الآراء، ومجالسهم المفتوحة في كل منطقة تحظى بتبادل الآراء في الشأن العام، علاوة على وجود مساحة رحبة في الإعلام المقروء والمشاهد، وكذلك المسموع، كبرنامج "صوت المواطن"، والملك سلمان -حفظه الله- دائما ما يشير في كل مناسبة إلى ذلك، لكن ليس النقد بالطريقة التي نقرؤها في كتابات بعضهم ممن يستخدمون مواقع "لصحف إلكترونية" يفترض حجبها حين يظهر أنها تستغل لإثارة الرأي العام الداخلي، خاصة أنها ليست مواقع سعودية، ولا يهم القائمون عليها سلمنا الاجتماعي، فتنشر "كتابات" يقول كتبتها إنها رؤى إستراتيجية، بلغت ببعضهم إلى التدخل في التشكيلات الوزارية، ونقد القرارات الحكومية، ونسي دور مجلس الوزراء، ومجلس الشورى، والمجالس البلدية، وما تطرحه وسائل الإعلام المتنوعة جميعها تطبق مبدأ التشاور حين يدعو إليه وكأنه غائب، بل قام بعضهم بممارسة دور "الواعظ " ليقدم دروسا في كيفية رسم سياسة الوطن، حول أحداث تشهدها المنطقة! وينسى أن قادتنا حولهم مستشارون من رجالات الدولة ممن عركتهم التجربة السياسية والوطنية والحياتية. الحقيقة أن "جوقة المعترضين" بعضهم يستغل الفضاء المفتوح، خاصة الصحف الإلكترونية وتويتر، وما تتيحه لهم من حرية للكتابة بدون حساب عواقب كتاباتهم التي تنحو نحو التأجيج ليس أكثر، ولذا توجب عليهم أن يستشعروا أن للكلمة مسؤولية، وحين تشط كتاباتهم عن معانيها وأهدافها تكون مادة دسمة يستفيد منها أعداء الوطن في الداخل والخارج، وأن يعوا حساسية المرحلة التي نعيشها، وما تشهده منطقتنا من أحداث، ويبتعدوا عن الإثارة الممجوجة بدعوى النقد.