بأمر الملك، عاد "الفيصل" وعبقرية الشعر والموسيقى، وعاد الشاعر الحامل لهم بلده، وهواجس شبابه، المتطلع لأن يعتلي أبناء وطنه أعلى المراتب، يرى الأشياء بنظرة مختلفة عن العابرين عليها، وببصيرة نافذة، يثب بحلمه، فوق أسوار إحباطات الواقع، أو تربصات الشانئين. ذلك هو مدخلنا إلى الاستمتاع بإبداع "الفيصل"، ونحن نقرأ ونستمع ل"حلم شب ضوه"، لتغمرنا صبوات، وغمامات تتدلى ب"الوطن المنتظر". عودة في اليوم الوطني للمملكة في سبتمبر الماضي، أعلن الأمير خالد الفيصل، عودته للشعر بأمر الملك سلمان بن عبدالعزيز، بعد أن كان قد أعلن اعتزاله، فقال: " بأمر الملك عودت سمع وطاعه وفل الشعر في بحر عمري شراعه يسوقه الواجب ويمليه موقف ويلهج به لساني ويكتب يراعه وشلون ما البي وسلمان عمي وعندي من الفيصل بقلبي وداعه". سلطان الكلام لأن الشعر كغيره من الفنون السمعية والبصرية كالموسيقى والرسم، إلا أن أدواته الكلمة، تعبير عن نفس قائله، نجد الفيصل يصادق على هذه الرؤية: "والشعر سلطان الكلام وبلاغه والشعر ما هَز المشاعر سماعه". حمل البيارق الشعر هو تراث الأمة العربية الخالد، ومظهر عبقريتها وساحة حكمتها، وبقي مدارا للحلم، وهو ما جسدته كلمات الفيصل في قصيدته الثانية التي تعامل معها الملحن عبدالرب إدريس في نغم سامري، حمل تطلعات القصيدة، إلى آفاق رحبة: "وش عذرنا لو ما رقينا الصدارة وداعي الفلاح بعالي الصوت دوّه يا سعودي الهمات هذا زمانك انهض وما سووه الأجداد سوّه" حث وتحفيز، وتشجيع لصعود الذرى وحمل بيارق العزة، وإيقاد شموع المجد، في التفاتة بارعة لإدراك وظيفة الشعر في ذاكرتنا وقلوبنا، خاصة أن الشعر العربي "في تاريخه لم تمنعه وظائفه قط من أن يستشرف آفاق التعبير، وأن يحقق من خلالها كثيرا من رائع القول وعميق التجربة". حكمة الشعر وكبرياء الرمال في القصيدتين اللتين غناهما فهد مطر، تجسد عمق التجربة للشاعر خالد الفيصل، فيهما الحكمة التي تماهت مع الإيقاع والنغم، المعبر عن اتساع الصحراء وكبرياء رمالها، تأكيدا على تمازج الموسيقى مع جماليات القصيد، بما يمكن أن يطرح تساؤلات ورؤى عن مدى إمكانية الموسيقي، في اكتشاف الجانب الجمالي والوجداني للقصيدتين، والتعبير عنهما بالكلمات المموسقة، ومن ثم التأكيد أيضا على أنه لا يمكننا أن نرتفع بالجمال إلى أفق الحب، واكتشاف مساحات من الحلم وبألوان مختلفة من هذه التجربة، إلا برؤى الشعراء الذين يستجيبون لصفاء ليالي الصحراء، وهي تكتنز ضوء القمر، ولألأة النجوم، محيلة كل ذلك إلى ابتهاج عميم. اعتزاز بالذات والهوية خالد الفيصل وهو "أحد الشعراء السعوديين الذين أضافوا للقصيدة الوطنية بعداً جمالياً نابعاً من الاعتزاز بالذات والهوية"، كرس في نصيه، هذا المعنى، معززا في الذاكرة الوطنية الحافلة بشعره الذي دون أمجاد الوطن، وحدد ملامح غده المشرق، أن الفنان المسكون بحلم الوطن المتطلع الجميل لا يمكن أن يتخلى عن الشعر، بل يظل يشكله، أيقونات من فرح متكرر، أطرافه حماس ملتهب، أغنية غرام عذبة، تمتاح من صورة الوطن رقة وشموخا وعزة، ليحس الإنسان بجدوى الشعر، وبالتالي امتلاك القدرة على الاقتراب من جماليات الوجود، وتطهير الروح، بما يجعل حياتنا جديرة بأن نحياها بكل فضيلة: " شاخَتْ بيَ الأيام والحُلْم توّهْ كل ما توارتْ جَذْوته شبّ ضوّهْ وان ثوّرتْ عجّةْ زماني مطَرْني واذا ادْلهمّ اللّيل يقْدحْ بنوّهْ حلْمي أشوف بْلادي أنموذج وْرمْز يشعّ بالقرآن هَدْي وْنبوّهْ للمعرفه مركز وللدّين فَتْوَى وبْراية التّوحيد للحقّ قوّهْ وللفكر والتّنوير مصدر ومَلْفَى".